ما كان الرفق في شيء إلا زانه

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

تنبت الأرض زرعها بعد جدب إن حلَّ بها مطرٌ، ويرتوي الظمآن بعد عطش إن صار له الماء وردا، مع التسليم بأنه ليس بالضرورة أن يجد العطشان ماءً يشربه بعد عطشه ويرويه بعد ظمئه، وحين تموت الأسود في الغابات والبراري جوعاً، فإنَّ ثمة اختلال فيهن أو في الطبيعة حدث، وثمة تغير طرأ بها، كذا الحال بالذي هو معيشته بين قوم شبعى وهو يتضور جوعًا، وبين زمر مُنعمين بالعيش وهو يكاد لا يجد قوت يومه أو ما يسد رمقه وجوعه.

وبالنظر إلى حال الناس هنا وهناك، يجد الناظر اختلافا في مستوياتهم، وتباينا في محتوياتهم، وعدم تشابه في مقتنياتهم، ويجد تفوقاً في الطبيعة الإنسانية الرحبة السمحاء عند هذا، وانعدامها مع ذاك، ويجد المحبة عند أحدهم بمقياس مُعين لا توهب من قبلهم لمحتاجيها، إلا أنه عند قرينه قد عمت هذا وذاك، وقد وصلت لذا وذاك، وهيهات أن نتحصل على هؤلاء لأنهم صفوة وخيرة الناس، أفليس أن خير النَّاس أنفعهم للناس، وشر النَّاس أضرهم بالناس.

حينما تبقينا الحياة خارج دائرة الرحمات، فإن نصباً ووصباً سيصيبنا، وحينما لا تتلقانا أفئدة الرحمة والقلوب الذاكرة لله كثيرًا والمطمئنة بهذا الذكر، فإنَّ الأوجاع ستتلبسنا، واليأس سيمزقنا والقهر سيقتلنا، والتعب سينهينا، والذل سيميتنا، وعدم العدل والمساواة سيحطمنا، والنفور عن خدمة الغير وعن التواضع لله وعباده سيعرينا.

اما إشاعة الرفق والخير والرأفة ستحيينا، والأخذ بأيدينا سيبقينا، وانتشالنا من الضعف إلى القوة سيعلينا، والاعتراف بأننا بشر سيهدينا وسيحمينا، وكل ذلك سيغير من نظام الأرض إلى ما يرتضيه خالق الأرض.

إن الدفع بنا إلى ما تحبونه لأنفسكم سيكون فيه سلام لأنفسكم، وتحية لوفائكم، وتقدير لإخلاصكم، وجزاءٌ لأخلاقكم وجهودكم وأدواركم وواجبكم الإنساني تجاه من قدمتموه لهم.

ذلك أنه من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس كافة، ومن أماتها بغير حق وهو قادر على إحيائها، فقد اكتسب إثما عظيما.

ومع إدراكنا تماما أنه حينما يتعاظم الخطب ينتقص من الإنسان قدراته، وتهوي به عثراته، ولا تسعفه قواه ولا طاقاته، فإنه بعد ذلك يأتي إلى نهايته مرغمًا، ويتقدم صوب دار القرار رويدا رويدا، ويبتعد عن هذه الدار التي هي دار نفاد، ولا محل اخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور شيئا فشيئا، ويحدث ذلك حتى مع تغير الأحوال والأطوار.

مضت الأيام ونمني النفس بالأفضل، وتقادمت الأوقات ونرجو أن تكون أفضل مما كانت، وكما قال صاحب لامية العجم في قصيدته المشهورة أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، فنحن دائمًا هكذا نعيش التفاؤل.

حقيقة أقول نحن في عُمان في خير، في خير بأهلها الكرام وناسها الطيبين ورجالها الخيرين، فخير الناس أنفعهم للناس ونحسب أنهم كثيرون.

إن صنائع المعروف كما تعلم عزيزي القارئ تقي مصارع السوء، وأهل الخير والجود والبر والإحسان يعلمون ذلك ويعملون به.

ذلك أن أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلاً من لا يرى فضله كما قال الشافعي، وهم لا شك عند ذلك وأهل لذلك، وقال أيضاً: صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا، من راقب الله في الأمور نجا، ومن صَدقَ الله لم ينله أذى، ومن رجاه يكون حيث رجا.

من خلال هذا المنبر أقول شكراً لأؤلئك الذين أسعدوا وأبهجوا وساعدوا، ونفسوا الكروب وفرجوا الهموم، واذهبوا بعد الله الغموم، شكراً لأصحاب الرفق والرأفة والرحمة والشهامة والنشامة، فالله أسأل أن يحفظهم ويوفقهم ويُبارك فيهم وفي عيالهم وأعمالهم وأعمارهم وأرزاقهم، وأن يجعلهم الآمنين من عذاب الله في الدنيا والآخرة، كما وعد الله المُتصدقين والمُنفقين، والذين اختصهم بقضاء حوائج النَّاس فحببهم في الخير وحبب الخير إليهم، فشكراً يا من تفعل الخير ترجو ما عند الله شكرًا.

تعليق عبر الفيس بوك