قضايا المواطن

حاتم الطائي

تزايد الحديث عن قضايا المُواطن الحياتية في ظل ما يمرُ به بعض شرائح المجتمع من تحديات وما تواجه من مصاعب، خاصة في ظل الظروف القاهرة التي فرضتها أعنف جائحة في القرن الحادي والعشرين، وما أفرزته من مُشكلات اقتصادية وصحية واجتماعية، فضلاً عن العوامل الأخرى المُؤثرة في صيرورة الحياة، سواء داخل السلطنة أو خارجها.

لا أحد يُنكر أنَّ الأوضاع العامة في البلاد- كما هو الحال في كل بلدان العالم- تضغط على المواطنين من ذوي الدخل المحدود، فارتفاع الأسعار نتيجة ما فرضته المُعطيات الاقتصادية المختلفة، وزيادة أسعار الرسوم والخدمات المُقدمة، إلى جانب ارتفاع أسعار مُنتجات الطاقة والكهرباء والمياه، كل ذلك تسبب في مُضاعفة الشعور بالضغوط، لكن في المُقابل، حرصت الدولة بكل مؤسساتها على مُعالجة هذه الإشكاليات، وسعت بجهد حثيث إلى تخفيف الضغوط من على كاهل المواطن، فبادرت الدولة إلى التوسع في خطة الحماية الاجتماعية، والتي تحظى بمتابعة سامية كريمة من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- وما تمخض عن ذلك من إطلاق حزمة مبادرات الحماية الاجتماعية ونظام الأمان الوظيفي وغيره، وكل ذلك ترجمة للتوجهات الرئيسية للرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، ويكفي أن نشير هنا باختصار إلى أنّ هذه المبادرات تضمنت زيادة مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية لمُعالجة الحالات المعسرة، وإعفاء مواطنين من مديونيات برنامج القروض السكنية الميسرة، وتسهيلات تمويلية بدون فائدة من بنك التنمية العُماني لأنشطة محددة، وإطلاق برنامج تمويلي طارئ لرواد الأعمال، وتمديد مدة صرف منفعة الأمان الوظيفي، وإعفاء المزيد من السلع الغذائية من ضريبة القيمة المضافة، وزيادة كمية الوقود المدعوم لمستحقيه، ووضع حلول للشركات المتأثرة بالتحديات الاقتصادية.. هذا يعني أنَّ الحكومة تبذل كل ما يُمكن من جهود من أجل التخفيف عن المواطن، بما يساعده على العمل والإنتاجية والعيش الكريم.

وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت فواتير استهلاك الكهرباء والمياه، بدرجة لاحظها أغلب المشتركين، خاصة وأننا في فصول الصيف وسريان قرارات الإغلاق ومنع الحركة، ما يعني مزيدًا من استهلاك الكهرباء، وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي شكاوى عدة من عدم دقة القراءات والفواتير. لكن في المقابل، وجدنا هيئة تنظيم الخدمات العامة ترد بوضوح على هذه الشكاوى، مؤكدة أنَّها وجهت شركات توزيع الكهرباء لاتخاذ إجراءات تكفل إنصاف المستهلك، ولا تظلمه، ولا يتسع المجال لذكر هذه الإجراءات، غير أنَّي أشير إلى واحد من هذه الإجراءات المُهمة للغاية، وهو منع قطع التيار عن أي مشترك لم يُسدد قيمة الفاتورة، وهذا تحول نوعي في عملية إدارة الخدمات العامة؛ إذ لا يجب أن تُقطع عن أي مواطن مستهلك لخدمة عامة حيوية ولا حياة بدونها مثل الكهرباء، على أن يكون فض مثل هذه النزاعات بطرق أخرى غير فصل التيار. هذا التَّحرك من هيئة تنظيم الخدمات العامة، يعكس البُعد الإنساني في آلية الإدارة، فليس الهدف مُعاقبة الناس ومُضايقتهم في معيشتهم، بل تحصيل المُقابل الذي من خلاله يتم تقديم الخدمة، والتحصيل له طرق شتى يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن قطع التيار.

هكذا وبهدوء وبقرارات حكيمة من المؤسسات الرسمية، تُعالج التحديات وتُحل قضايا المواطن، وفي الوقت ذاته، نتمنى أن يتحلى كل مُواطن بالسمت العُماني الأصيل عند عرض مظلمته؛ إذا لا يجوز لنا كعُمانيين أن تتحول شكوانا إلى صراخ صاخب على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وبدلًا من إيصال صوت المواطن، نجد أطرافًا أخرى دخلت على الخط وأججت المشاعر، وفاقمت الأوضاع. هذا التحول السلبي لدى البعض، قد يرسم صورة غير واقعية للشخصية العمانية، التي عُرف عنها الاتزان والصبر والتحمل وعزة النفس، لكن من المؤسف أن نجد تصرفات سلبية يقع فيها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، كمن يتحدث عن "ضيق الأوطان" أو البحث عن عمل في دولة أخرى، وغيرها من العبارات التي تُثير الغضب وربما تدفع آخرين إلى تقليد هذه التصرفات وترديدها دون وعي حقيقي لخطورتها على تماسكنا المجتمعي.

إنَّ التماسك المجتمعي الذي ما زلنا نُفاخر به الأمم ونعتبره مصدر عزة وقوة لنا جميعًا، قد يتعرض لهزات نتيجة مثل هذه التصرفات المرفوضة شكلاً وموضوعًا، فعُمان وطن زاخر بالنعم والعطايا الإلهية، وأبناؤه يرفلون في هذه النعم منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، ولا يليق بكائن من كان أن يذكر كلمات أو عبارات تشير إلى عكس ذلك؛ بل علينا أن نحمد الله ونشكره على نعمة الوطن الحُر العزيز المليء بالفرص والخيرات والثروات، وإذا ما كانت هناك ظروف تحول دون الاستفادة من هذه النعم والخيرات، فعلينا التحلي بالصبر، فكم عاصر آباؤنا وأجدادنا من محنٍ وتحديات وظروف قاسية خلال سنوات عجاف، لكنهم تحملوها وصبروا، ففازوا جزاء صبرهم وحصدوا ثمار السنوات السمان، فهكذا هي دورة الحياة، ولا يجب علينا أن نتخلى عن شيم الآباء والأجداد، لأنَّ من بيننا من خارت قوته أو ضعفت إرادته، فهؤلاء يجب أن يحصلوا على الدعم المعنوي منِّا، وأن نأخذ بأيديهم ونُساعدهم على التحمل، ليبادلوا الوطن العطاء.

وختامًا.. إننا في مثل هذه الظروف ينبغي أن نُدير ظهورنا لكل إحباط يسعى للتسلل إلى نفوسنا، وأن نتوقف ولو قليلًا عن السير دون هُدى خلف ما تُثيره "السوشال ميديا" من أفكار يجري تضخيمها لتحقيق مآرب وغايات ليست نبيلة بالمرَّة، فعُمان وطن الجميع، والتراب العُماني لا يُعوّض، والتمسك بالأخلاق الكريمة يجب أن يكون نهجاً أصيلاً مُتجذراً في نفوسنا، لا نتخلى عنه أبدًا.