موطئ أثر اقتصادي

 

محمد بن سعيد القري

 

مطلع عام 1998 عزمت مع صديقي وجاري على السفر إلى محافظة مسقط، بالنسبة لي كانت المرة الأولى التي تطأ قدمي أرض مسقط، على عكس صديقي أو جاري الذي يكبرني بعامين، كنت حينها في المرحلة الثانوية، وهو خريج الثانوية العامة، همه من تلك السفرة، هو الذهاب إلى مبنى القوى العاملة في روي، لاستقصاء الطلب الذي قدمه للحصول على وظيفة. أما أنا فقد كان هدفي فضول وسياحة.

قال لي بأنَّ الانطلاق من ولاية صحم لابد أن يكون في الصباح الباكر، هكذا اتفقنا. وفي فجر اليوم التالي، قمت وصليت الفجر، ثم خرجت لأجد جاري ينتظرني في المكان والزمان المقررين. مشينا مسافة كيلومتر واحد للوصول إلى الشارع العام. كثيرا ما كنَّا نستخدم سيارات الأجرة في ذلك الوقت، مسافات بمبلغ بسيط وإن كان صعباً علينا كوننا نعتمد على المصروف اليومي القليل في تلك الفترة والذي غالباً ما ندخره لساعات الضرورة. أوقفنا سيارة الأجرة، واتفقنا على دفع ريال وثلاثمائة بيسة لكل شخص للوصول إلى روي.

وكعادة سيارات الأجرة كثيرًا ما كانت تقف للـ"عبرية" وعوضا عن أن نصل في ساعتين أخذنا في الطريق ثلاث ساعات، وصلنا إلى روي، ثم اتجهنا إلى بناية كبيرة.

عند وصولنا المبنى، رأيت الكثير من الباحثين عن عمل، كانت الصفوف تكتظ، والموظفون خلف شبابيكهم، من لا يبالي بصرخات الشباب، ومن تجده يسجل ويعمل وينادي بأعلى صوته لأسماء الباحثين والشركة التي ستحتويهم. كنت أسمع حينها مؤسسات خاصة، وكل الفرص الوظيفية أقرب إلى الوظائف الدنيا، ولكن الشباب في تلك الفترة لم يكونوا يرفضون العروض؛ ذلك أن الفرص الوظيفية كانت شحيحة في المؤسسات المختلفة، أقرب إلى الندرة.

ذهب جاري وبقيت أنتظره دقائق ثم عاد، سألته: أبشر، فرد علي، لم يُحالفني الحظ كالعادة، قالوا لي انتظر الدور. ذهبنا ولكننا صممنا ألا يكون ذلك سبباً لتغيير المزاج. دخلنا مجمع "العريمي"، تسكعنا قليلاً ننظر إلى المحلات المختلفة، وما تحتويه من أغراض ثمينة.

ثم حان وقت الغداء، مشينا خارج المجمع، دخلنا أحد المطاعم الفارهة بالنسبة لنا في ذلك الوقت. جلسنا، سرعان ما جاء "الجرسون" بلباس أنيق لم نعهده من قبل. وضع مطوية المأكولات "المنيو" قلبنا الصفحات، برجر بثلاثة ريالات، صديقي لم ينبس ببنت شفة، وكأني قرأت ما يدور في ذهنه. ولكني حاولت البحث عن شيء آخر أرخص في "المنيو" رفعت رأسي، فلم أجد صديقي ورفيق الدرب، بل لمحته وهو خارج من الباب. أغلقت المنيو وتبعته. عندما خرجت، قلت له: عيش.. قال لي: ليس أمامنا سوى الرجوع إلى روي. استقلينا سيارة أجرة مرة أخرى، ونحن في الطريق لمحنا لافتة مطعم. نزلنا بالضبط أمام مدخل المطعم، كان مكتظاً بالزبائن، ذهبنا إلى الطابق الأول. طلبنا أرز برياني ودجاج، وقليلا من المرق وسلطة مكونة من شرائح البصل والطماطم. أكلنا، وعندما نفد الأرز، طلبنا صحناً إضافياً. يضاف الصحن الإضافي في ذلك الوقت مجانا. ودفعنا ما يقارب ستمائة بيسة، وعلبة ديو بمائة بيسة. حمدنا الله لأننا وفقنا لاختيار هذا المطعم وطعامه اللذيذ. بعد ذلك رجعنا للقرم عند شارع المجمعات، مصممين على أن لا نخرج صفر اليدين من الانبساط. وبعد أن شبعنا من التطواف، قررنا الرجوع لولايتنا.

هذه المرة جربنا الحافلة الصغيرة، وبدل أن نقضي ساعتين، أمست أربع ساعات، ولكننا وصلنا بعد أن فرغنا من الطاقة كبطارية لم يبق فيها سوى إشارة حمراء إيذاناً بانتهاء قوتها.

تتقادم الأيام والأعوام، وكلما التقينا، تذكرنا بنوع من المرح، أننا ذهبنا لمسقط بتفاصيلها، مسافة تقدر بـ150 كيلومترا، لم ننجز فيها شيئاً سوى تناول وجبة الغداء! وقفلنا عائدين. هكذا يظن صديقي.

لقد نسيت، كان هناك جزء يردده قائلا: ربما في قادم الأيام تحل الأوضاع الاقتصادية، وتنشأ العديد من المشروعات الاستثمارية والشركات الضخمة، وبالتالي يستطيع الشباب المنافسة على الكثير والعديد من الفرص، من أعلاها إلى أدناها.

وارتفع النفط ونزل وارتفع ونزل. ثم إنه وبعد سنوات من الذهاب إلى مسقط وغيرها من المدن للبحث عن فرص عمل ولو من أجل مصاريفه الشخصية فقط، وبعد أن ملَّ، تخلى عن تكرار فكرة أن الوضع الاقتصادي قد يتحسن، وقال مرة إن الوضع الاقتصادي إنما يشبه حاله لدى ذهابه وإيابه لمسقط في تلك الفترة، إلا أن الوضع تغير في الوقت الحالي؛ حيث إن مصاريف النقل والغداء تضاعفت أضعافا!

تعليق عبر الفيس بوك