الترويج لموقع السلطنة الفريد ونتائج "قمة نيوم"

د. محمد بن عوض المشيخي

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

تتفرد السلطنة بموقع فريد على الخارطة العالمية؛ فتطل على ثلاثة بحار؛ هي بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، فضلا عن المحيط الهندي، فتمتد الشواطئ العمانية أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر من مضيق هرمز شمالا، وحتى ضربة علي جنوبا بالقرب من الحدود اليمنية.

هذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي جعل من السلطنة تتوسط قارات العالم خاصة آسيا وأفريقيا. كما إن وجود المرافئ  العملاقة البعيدة عن المضائق، والبوابات التي تتعرض للخطر، وتكاليف التأمين مثل مواني صحار وصلالة والدقم، قد منح البلاد قيمة مضافة، وفرصا استثمارية واعدة نادرة الوجود في أي بلد في العالم. كذلك  المطارات لا تقل أهمية عن الموانئ؛ كمطاري مسقط وصلالة، فهما بوابتان عالميتان للسلطنة، وسلسلة لوجستية لا غنى عنهما في مجال السياحة والاقتصاد. وإن كان الأخير (مطار صلالة) بحاجة ماسة إلى الإشهار الدولي وتزويده بورشة مجهزة بالخبراء لصيانة الطائرات، ومبنى للتموين (Catering) لتشجيع الرحلات الدولية على استخدام مطار صلالة في المرحلة القادمة.  

من هنا تتمحور رؤية "عمان 2040" في تنويع مصادر الدخل، وتسويق السلطنة كمركز عالمي، وبيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي ولرؤوس الأموال والمستثمرين الجادين من مختلف أقطار العالم. وعلى الرغم من كل ذلك لم نحقق الحد الأدنى من الطموحات والأهداف المرجوة في هذا المجال الذي يعد واحدا من أهم أسباب النمو والازهار الاقتصادي والتنموي في أي بلد في العالم. ويعود ذلك في اعتقادي إلى عدة أسباب؛ منها عدم تعظيم دور الإعلام المرئي على النطاق الدولي، وذلك عبر إيجاد برامج موجهة باللغة الإنجليزية تخاطب الممستثمرين والتجار في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا، وتكشف للعالم عن كنوز السلطنة ومواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي الفريد، وقبل ذلك ما يتمتع به هذا البلد من أمن وأمان وبيئة استثمارية مثالية، تتمثل في التشريعات والقوانين التي تشجع على الاستثمار في عمان. كما يمكن استخدام القنوات الدولية للترويج للسلطنة تجاريا وسياحيا، مثل قناة (CNNI) والجزيرة الدولية، وذلك من خلال إنتاج رسائل إعلانية قصيرة تعبر عن الإمكانات المتاحة. فنجد دولا مثل ماليزيا وسنغافورة وإمارة دبي تستخدم هذا الأسلوب الإعلامي الناجح في الترويج وجذب الاستثمار.

السبب الثاني يعود إلى التعقيدات الخاصة بالإجراءات التي تتعلق بالمستثمرين من الخارج، وذلك على الرغم من تأكيد وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار على ما يعرف بالمحطة الواحدة، التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات؛ لتسهيل إقامة المشاريع للأجانب. لذا فقد بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي في السلطنة حوالي 20 مليار ريال عماني في نهاية العام الماضي 2020 فقط. وقد احتلت بريطانيا الصدارة باستثمار أكثر من خمسة مليارات ريال عماني، ثم دولة الإمارات العربية المتحدة بأكثر من مليار ريال عماني، بينما أتت دولة الكويت في الترتيب الرابع بعد أمريكا بأكثر من 800 مليون ريال عماني. أما المملكة العربية السعودية فقد أتت في المرتبة الأخيرة بين دول مجلس التعاون المستثمرة في السلطنة بـ105 مليون ريال عماني فقط. وتركزت هذه المبالغ على وجه الخصوص في محطة صلالة للكهرباء، وكذلك في مدينة  خزائن الصناعية.

السعودية تحتل الاقتصاد الأول على مستوى العالم العربي؛ فهي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين. ومن هذا المنطلق أرسلت السلطنة في يونيو الماضي، وقبيل قمة نيوم وفدا اقتصاديا رفيع المستوى، برئاسة وكيلة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لترويج الاستثمار، بهدف دراسة الفرص الاستثمارية بين السعودية والسلطة؛ إذ أعلن القطاع الخاص السعودي عن رغبته في ضخ أكثر من 1.5 مليار ريال عماني في السلطنة، استثمارات مباشرة، وذلك في ختام تلك الزيارة الاستطلاعية للوفد العماني للملكة العربية السعودية.

الأيام القادمة ستكشف عن تحول هذه الفرص الواعدة إلى مشاريع على أرض الواقع، إذا تسهلت الإجراءات من طرف السلطنة، وتيسرت أمور الأشقاء في السعودية. وقد عبر عجلان العجلان رئيس اتحاد غرف السعودية عن عدم الرضا عن ميزان التبادل التجاري بين البلدين، والذي سجل العام الماضي أقل من مليار ريال عماني، بينما وصل التبادل التجاري مع بعض دول مجلس التعاون إلى أكثر من خمسة أضعاف ذلك الرقم الذي لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع طموحات الشعبين الشقيقين. ويقول العجلان الذي يتولى قيادة القطاع الخاص السعودي: إن الظروف مواتية لتصبح السلطنة الشريك الأول للملكة في الفترة القادمة.

من هنا تأتي فكرة إنشاء خط أنابيب النفط السعودي إلى بحر العرب، عبر السلطنة إلى ميناء صلالة أو الدقم من المشاريع الواعدة التي تم طرحها منذ السبعينات من القرن العشرين كواحد من الخيارات الاستراتيجية للمملكة؛ وذلك لتجنب مخاطر المرور عبر مضيق هرمز، لكونه يشكل هاجسا أمنيا للقيادة السعودية التي تصدر أكثر من 88% من النفط السعودي عبر هذا المضيق.            

أما قمة نيوم التاريخية التي جمعت جلالة السلطان هيثم بن طارق وأخيه الملك سلمان بن عبد العزيز والتي انفردت بتغطية إعلامية غير مسبوقة، فقد تمخضت عنها العديد من القرارت المهمة، في مقدمتها تشكيل مجلس تنسيق مشترك برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، والاتفاق على توجيه الجهات المختصة بالتعجيل بافتتاح الطريق البري المباشر الذي يربط البلدين، عبر ربوع الربع الخالي. فالطريق يعتبر شريانا حيويا للاقتصاد، وطريق سفر الحجاج إلى الديار المقدسة، والسياحة البينية للشعبين العماني والسعودي. فهذا المشروع العملاق الذي يطلق عليه البعض الطريق المعجزة، يمتد من دوار تنعم في عبري مرورا بالحدود العمانية من أم الزمول – شيبة- ثم ينتهي بالبطحاء في المنطقة الشرقية في المملكة بطول 580 كيلومترا داخل الحدود السعودية، و155 كيلومترا داخل السلطنة. وكلف هذا الطريق خزينة الدولة العمانية أكثر من 200 مليون ريال عماني، بينما بلغت تكلفة الطريق في المملكة حوالي ملياري ريال سعودي، أي أكثر من 200 مليون ريال عماني بقليل، على الرغم من صعوبة الطريق في عمق ربوع الربع الخالي، وبلوغه أكثر من ثلاثة أضعاف الطريق المنفذ في السلطنة. ولا شك أن تأخر افتتاح هذا الطريق الذي كلف الدولتين مبالغ طائلة، قد عطل تسريع وتنمية العلاقلات الثنائية بين البلدين دون مبرر طوال السنوات الماضية. وقد كنت ضيفا على برنامج المجلس الخليجي في "قناة 24" السعودية في مطلع عام 2017، وعرضت القناة فيلما وثائقيا قصيرا عن اكتمال هذا الطريق في ذلك الوقت، على أن يتم تجهيز نقاط المنافذ البرية بين البلدين، وكذلك محطات الوقود، والفنادق والمراكز الأمنية على طول الطريق في غضون أشهر، ولكن طال الانتظار لأكثر من 3 سنوات دون أن نعرف سبب تأخير هذا المشروع التنموي الكبير.

أما عن الاستثمار السعودي في السلطنة، فقد أكد بيان قمة نيوم على إطلاق العديد من المبادرات المشتركة، والتي تشمل الاستثمارات في منطقة الدقم، وغيرها من المجالات الحيوية كالطاقة والأمن الغذائي والصناعة بمختلف أنواعها. صحيح لم يكشف الطرفان عن حجم هذه الاستثمارت التي نتوقع أن تكون واعدة ومهمة للبلدين، ومن باب الشفافية؛ قمت بالتواصل كتابيا، مع أحد أصحاب المعالي من أعضاء الوفد العماني لمعرفة حجم وطبيعة هذه الاستثمارات، ولكن لم يصلني الرد إلى هذه اللحظة. فقد جرت العادة أن تعلن السعودية عن استثمارتها خلال الزيارات الرسمية؛ ففي زيارة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز للصين عام 2017 تم الإعلان عن استثمار الحكومة السعودية 65 مليار دولار، بينما أعلن الأمير محمد بن سلمان عن ضخ أكثر من 100 مليار دولار كاستثمار سعودي في الهند عند زيارته التاريخية لذلك البلد عام 2019.
وفي الختام.. إن الآمال معقودة على إقامة مشروع سكة حديد لقطار يربط بين السلطنة والمملكة العربية السعودية؛ لزيادة التقارب بين البلدين، وتسريع وتيرة التبادل التجاري والسياحة البينية. وهذا لا يمكن أن يرى النور إلا بإرادة سياسية ومباركة سامية من جلالة السلطان هيثم والملك سلمان - حفظهما الله - في قادم الأيام.