عبء المشاريع التنموية

يحيى الناعبي

في مقال سابق كنت قد مررت سريعا على أهمية البحوث والمشاريع الأكاديمية في الاستناد إليها لإقامة وتطوير المشاريع التنموية الحكومية والخاصة، وكذلك على مستوى توزيع المؤسسات الخدمية بين المحافظات والولايات، وهذا يشمل المؤسسات التربوية والصحية والنقل وحتى المؤسسات الأمنية والعدلية وغيرها.

ما شهدناه في المسيرة التنموية سابقا توزيع بعض المشاريع على خلاف أهميتها أو حجم الحاجة إليها، في المقابل هناك قصور أو عجز في الاستيعاب في مشاريع أخرى. في سبعينيات وثمانينيات وحتى تسعينيات القرن المنصرم، كان أهالي القرى والمجتمعات ينتخبون من يمثل عنهم في سعي المطالبات للخدمات الرئيسية من طرق ومدارس ومستوصفات وغيرها، حيث كان توزيع تلك المشاريع يعتمد على توازنات متعددة، أمثال: سياسية، جغرافية، السياحة الأثرية وغيرها، حيث إنها تمثل مرحلة تأسيسية في قيام دولة عصرية. إضافة إلى المشاريع التي أنشأت بناء على أوامر سامية من السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – وذلك أيضا حكمة وحرصا منه على خلق توازنات بين ولايات ومحافظات السلطنة.

اليوم عمان تمثل مرحلة مختلفة، لم تعد بحاجة إلى مثل تلك الحسابات والتوازنات، فقد تخطّتها وتجاوزتها. لقد اتسعت الرقعة السكانية لتخفي معها التقسيم الجغرافي بين الولايات والمناطق، ولم يعد هناك توازن سياسي "قبلي" بين الولايات، ولا يوجد تحيّز مناطقي، وأصبحت خارطة المجتمع العماني الواحد أكثر بروزا. بالتالي، يجب النظر إلى توسيع رقعة التنمية على نحو علمي مدروس. يجب أن تقوم الخطط والمشاريع على أسس بحثية في كافة المجالات، وأن يكون هناك مسح مستمر في كافة الجوانب من جوانب الحياة المعيشية ومستلزماتها طويلة الأمد منها أو القصيرة.

لم أستطع أن أجد إحصائية محددة حول مجمل الحاصلين على شهادة الدراسات الجامعية والعليا في سلطنة عمان سواء من جامعات داخل السلطنة أو من خارجها، ولكن الأرقام المتفرقة التي حصلت عليها في محول البحث كانت بمئات الآلاف، ومؤشر الإحصاء السنوي في تزايد عن السنوات التي تسبقه، وهذا يعني أن هناك عشرات الألوف كأقل تقدير من البحوث التنموية في كل القطاعات، إن استبعدنا البحوث الفلسفية في العلوم الإنسانية، ومع ذلك وللأسف لا يزال القرار فرديا غير متخصص في غالب القرارات المصيرية التي تصدر في المؤسسات الحكومية. والسؤال هو: لماذا لا يستعان بهذه الدراسات؟

هذا بدوره يحيلنا إلى الحديث عن الفساد المالي وسوء التصرف الذي كلّما أتيحت الفرصة لأحدنا أن يعبّر عن تردي الحال في الوضع العام في كثير من المناسبات تجده يسهب في مفهوم الفساد المالي وسرقة المال العام. والحقيقة أن الفساد يكمن إداريا قبل أن يكون ماليا، فالكثير من المشاريع لم تكن مدروسة بشكل جيد وفق احتياجاتها وأهميتها، ولم تكن قائمة على دراسات بحثية رصينة، وهذا بدوره ضاعف العبء المالي.

من خلال المؤشرات والنتائج ظاهريا (لأن المقال يخلو من الإحصائيات الدقيقة) نسبة كبيرة من المشاريع لم تعد تنموية، وللأسف هي عبء مالي على الدولة وبالطبع المواطن في إنشائها وكذلك أثناء استخدامها لأنها لا تمثل الاهمية المرجوة من خدماتها أو مستوى جودتها.

اليوم يجب أن تكون هناك خطط مدروسة لكل المشاريع ووفقا للاحتياجات بحيث تخفف العبء على الحكومة والمواطن. يشهد العالم تحديات كبيرة أمام كوارث متنوعة، فهو بمثابة امتحان تحدي للبقاء وبالتالي يجب أن تتغير كل السياسات القديمة وأن يكون هناك موقف يحاكي الواقع بعيدا عن المجاملات والمحسوبيات.

إن الأضرار التي لحقت بالمواطنين وممتلكاتهم مؤخرا في الكثير من ولايات السلطنة جرّاء المنخفض الجوي والذي لم يصل لمستوى الاعصار، سببه التوزيع الإسكاني الخاطئ. طبعا سيكون مصير هؤلاء المتضررين هو الشتات والمعاناة دون تعويض أو خطط حماية بديلة.

يجب أن يكون هناك مسح استبياني مستمر. ولا يجب أن نركن على الإحصائيات التي تنفذها بها الحكومة كل عشر سنوات الذي يمثل التعداد العام. ولكن، حتى اللحظة لم تستطع الجهة المعنية تحديد مكان إقامة المواطنين والمقيمين في بلد يعتبر نسبيا ناشئ ديموغرافيا. كيف يكون عنوان الفرد المسجل في هوية القيد يعود إلى قريته أو مدينته التي قضى بها طفولته!! ومن ثم قد تنقّل في أكثر من مكان في ولايات السلطنة ولم يتغير مكان إقامته في السجل. قد تكون إجراءات بسيطة لكنها تمثل أهمية على المدى البعيد.