توارت الشمس عن صلالة واحتضنها النور

إسماعيل بن شهاب البلوشي

كثيرٌ من ظواهر الحياة لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تكون أمراً عادياً لأهميتها وحضورها، غير أنها تكون كذلك عندما يتعود الإنسان عليها  وتكون جزءًا من دورة الأيام وفصول السنين، حتى إن قيمة بعض كنوز ومحتوى كوننا العظيم من هباتٍ ونعم تكون جزءاً لا يفرق عن الكثير مما نرى، إذا أصبح متاحاً وتعودنا عليه.

ولعل الوضع العالمي اليوم يذكرنا ببعض من ذلك.. سيشاركني الكثير منكم الشعور إذا أعاد شريط الذكريات وتذكر عندما وجد نفسه ولأول مرة فجأةً في عالم آخر غير الذي كان فيه قبل دقائق معدودة، ذلك الفارق الذي لن يعطي للنفس البشرية مجالاً للتدرج ما بين صحراء تشارف درجة الحرارة فيها على الخمسين، وشجيرات متناثرة تصارع للبقاء ورياح عاتية، وبين مكان آخر نتلمس فيه الطريق بين الضباب والمطر وتكون الأرض قد لبست حلةً خضراء يانعة، لا يتحرك منها إلا رؤوس أغصانها  المبللة والمثقلة بقطرات الماء التي ينزل عليها برفق وهدوء، ذلك الفارق هو ما بين جبال صلالة والصحراء.. ولأنني واحد من الذين يختزنون الذكرى على وقعها كما كانت، وعلى الرغم من أنني قضيت وقتاً طويلاً من حياتي في ربوع ظفار الشمّاء، غير أن انطباعي الأول رافقني وإلى اليوم بشعور لا أعلم كم من الناس سيشاركونني أجزاءً منه.

فعندما تقرأ تفاصيل الطبيعة من جبالها وخلجانها والرياح الموسمية الآتية من المحيط، فإنه وللتحديد الدقيق تكون الأمطار على رقعةٍ محددة بعينها على الرغم من أن نفس الأسباب والمعطيات يمكن أن تكون في مساحة أكبر لأن الساحل ممتد، وكذلك الجبال، ناهيك عن الرياح التي تصل إلى مساحةٍ شاسعة من شرق عمان ووسطها، ومع تقديري واحترامي الأكيد للخبراء والمحللين والمختصين في هذا الجانب، إلا أن حيزاً مناسباً فيما أراه أن بالأمرِ من المعجزات الربانية ما يمكن أن يكون حاضراً في هذا الجانب، ولعلها هي استجابة لدعوة الصالحين والذين تنتشر قبورهم في العديد من الأماكن، ومن المؤكد أن الخالق- عز وجل- أراد أيضاً أن تستمر هذه المعجزة العظيمة على من يعيش في عالم اليوم وهم- مؤكد ايضا - في استحقاق مطلق لذلك. ولا شك أن للبهائم والتي هي من نعم الله العظيمة لها جانب آخر فيما يخص الكلأ والعشب.

ولعلي هنا أوضح ما في نفسي من رؤية اخرى بها الكثير من الجماليات والروحانيات من خلال استمرار الجو المعتدل والخضرة شبه الدائمة بين صرفيت وضلكوت وحاكاب وخضرفي ودرى، وقد تكون بها خصوصية إضافية من الشعور الجميل والعميق في نفس الإنسان. وعلى الرغم من أن كل المنطقة بتلك الجماليات الرائعة، إلا أن للمناطق المذكورة وما تتميز به من عيون المياه المنتشرة لها وقع جميل وإحساس لا يوصف، وخاصةً عندما يكون الوقت حاضراً لتأدية أي فريضةٍ صلاة في واحد من مساجدها.

وأخيراً، فإنني وكما أذكر دوماً لستُ في معرفةٍ خاصة أكثر من الغير، إلا أن تسليط الضوء على بعض الجوانب قد يبعث الشغوفين بحب الإطلاع والبحث على التعمق والدراسة والوصول إلى حقائق مهمة قد نكون بحاجة إليها. وكذلك فإن التسمية ما بين الخريف والربيع بها فارق قد يحتاج إلى أن يميل إلى ذلك الربيع الذي احتضن ما حوله بالحياةِ الجميلة والمشرقة؛ بل إنه جمع أهل عُمان جميعاً والخليج العربي وكل الأشقاء والأصدقاء في أجواءٍ لم تستطع لا سياحة ولا معالم وناطحات سحاب أن تجمعهم، ولقد زاد من جمال كل شيء تلك الصبغة الجميلة والصفة الرائعة لأهل ظفار من عماننا الغالية، تلك الطبيعة التي لم يغيرها الزمن ولن يغيرها بأمر الله سبحانه وتعالى، فلعل صلالة وبرحمة الله أن تحتضننا وخلق الله جميعاً في صحة وخير.