لماذا السعودية؟!

خلفان الطوقي

 

بعد ساعات قليلة تكون طائرة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- قد حطَّت الرحال في المملكة العربية السعوية الشقيقة، في أول زيارة رسمية خارجية لجلالته منذ توليه مقاليد الحكم في يناير 2020، مثلما كانت هناك أول زيارة في عام 1971 للسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بعد تسلمه الحكم في عام 1970.. وهذه الخطوة ليست محض صدفة؛ بل تحمل في طياتها دلالات عميقة عديدة نتطرق إليها في هذا المقال، وسنسعى للإجابة على سؤال: لماذا السعودية بالذات؟!

العلاقات المتينة بين عُمان والسعودية هي خيار استراتيجي من كافة الجوانب، فمن الناحية الإستراتيجية، كلا البلدين عمقهما مشترك، هذه الكلمة ليست كلمة هلامية، وإنما هي بسبب ارتباطمها ببعضهما البعض جغرافيا، والطريق البري المُرتقب الذي سوف يتم افتتاحه قريبًا سوف يزيد من هذا العمق، إضافة إلى ارتباطنا المشترك مع الحدود اليمنية.

أما من الناحية السياسية، فهناك ملفات نحتاج فيها لبعضنا بعض، فكما هو معروف أن المملكة لها ثقل سياسي عالمياً وإقليميًا ولاعب رئيس في عدة ملفات، وهي الشقيقة الكبرى في مجلس التعاون، كما إن السلطنة وسيط محايد موثوق به في ملفي إيران واليمن الذي يتقاطع مع المملكة، وتسعى عمان لحل هذه الملفات المعقدة بهدوء وروية وبما يخدم السلم الإقليمي.

أما بالنسبة للارتباط الاقتصادي بين عُمان والسعودية فهو ضرورة ملحة، ولابد من توسعة هذه العلاقات وتنميتها أضعافا مضاعفة، وجعلها في قمة الأولويات، فالمملكة ليست بلدا عاديا بل جوهريا، فهي عضو في مجموعة العشرين G20 التي تضم أهم الدول المؤثرة اقتصادياً على مستوى العالم، حيث إن هذه الدول تتحكم في 80% من الناتج الاقتصادي العالمي وحوالي 75% من التجارة العالمية، ولا ننسى أن السعودية لوحدها تنتج يوميًا ما يزيد عن 10 ملايين برميل من النفط الخام الذي يشكل حوالي 12% من الإنتاج العالمي من هذه السلعة العالمية الأساسية.

أما فيما يخص الجانب الاستثماري، فقد حان الوقت لتفعيل 150 فرصة استثمارية التي تم التطرق إليها قبل عدة أيام بعد زيارة الوفد الحكومي العماني للمملكة، والتلميح إلى المنطقة الصناعية المشتركة، فكما هو معلوم فإنَّ الصندوق السيادي السعودي لديه محفظة ضخمة وميزانيتها المعلنة تفوق مبلغ ترليون ونصف الترليون ريال سعودي، ويبحث هذا الصندوق عن أي فرصة مربحة عالمية، ومن الذكاء العماني استقطابهم بأي طريقة كانت ولفت انتباههم إلى السوق العُماني.

العلاقات العمانية السعودية تتنامى يومًا بعد يوم، فلوجستيا أصبحنا أقرب، فهذه هي المرة الأولى التي يكون هناك ربط بري مباشر بين السلطنة والمملكة، طريق بري بطول يفوق 800 كيلومتر، ويختصر حوالي 700 كيلومتر بين الدولتين، هذا الطريق في حد ذاته سيزيد من الحركة التجارية والسياحية بين البلدين، وسوف يخفض كلفة السلع من الواردات والصادرات، وسيفتح آفاقاً جديدة للتجارة العمانية "شركات وأفرادا" لأن تدخل سوق ضخم في السعودية بتعداد يفوق عن 34 مليون نسمة، حسب آخر تعداد رسمي، وثاني أكبر مساحة جغرافية في الوطن العربي، فالبداية خط بري، يمكن أن يتبعه في المستقبل مسار لقطار شحن مباشر بجدوى اقتصادية.

آفاق الاستثمار المشترك بين السلطنة والمملكة يمكن أن تعمل في مسارات مختلفة، خاصة مع وجود منطقة صناعية ضخمة مثل منطقة الدقم، فيمكن للسعودية أن تفكر جدياً في بناء مصفاة لنفطها بعيدًا عن التجاذبات السياسية في مُحيط مضيق هرمز، أو الاستفادة من مشروع "رأس مركز" لتخزين نفطها خارج مضيق هرمز، وتحقق بذلك أهدافاً عديدة وأهمها أمنها في أهم سلعها الاستراتيجية وقربها من أسواق النفط العالمية الهند والصين واليابان وباقي دول آسيا وأفريقيا وضمان وصولها بكلفة أقل بعيدًا عن مناطق التجاذبات.

وما ينطبق في منطقة الدقم العُمانية، فإنه ينطبق على مشروع نيوم السعودي العملاق، فما كان بعيد المنال أصبح قريبا، وأقصد أن الفرص الاستثمارية أصبحت قريبة لجهاز الاستثمار العماني، فالمخطط لمشروع "نيوم" أن يستقطب شركات عالمية ومشاريع نوعية، ويمكن للجهاز أن يكون له نصيب من هذه الاستثمارات، خاصة وأن هذا المشروع النوعي يحاط باهتمام خاص من القيادة السعودية لضمان نجاحه.

أوجه التعاون المشترك بين الدولتين تمتد إلى تشابه الرؤى بين رؤية عمان 2040 ورؤية "المملكة 2030"، ويمكن للسلطنة الاستفادة منها في مجالاتها المختلفة، والسبب أن الرؤية السعودية بدأت بخطى متسارعة منذ أن تم الإعلان عنها في عام 2016، ونفذت برامج متقدمة في مجال الاستثمار والخصصة والقيمة المحلية والدين العام والتنويع الاقتصادي وغيرها الكثير من البرامج الفرعية، ويمكن للسلطنة الاستفادة من ذلك وتشكيل فريق تنسيقي لتبادل المعلومات والخبرات، فآفاق التعاون المشترك تنمو ولا تنقص.

لماذا السعودية؟ بالمختصر؛ لأنها دولة محورية في العالم من جميع النواحي دينياً واقتصادياً وسياسياً في الحاضر والمستقبل، والذكاء العُماني يكمن في أن يجد كل الثغرات لينمي علاقاته مع المملكة ويزيد من أوجه التعاون المشترك، وتحويل أواصر التلاحم الأخوي من شعارات جميلة إلى عوائد وفوائد ملموسة تنفع البلدين والشعبين وكافة بلدان وشعوب الخليج.