العلاقات العمانية السعودية.. منظور استراتيجي

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

 

تمثل المصالح الاستراتيجية في قطاعات الاستثمار والاقتصاد والتجارة والصناعة مفصل نجاح العلاقات الدولية ولنا في الدول الأوروبية خير مثال بعد أن دام الوفاق والتعاون والوحدة بين دولها كنتيجة لبناء منظومة مصالح اقتصادية فيما بينها.

وتمثل الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان دولتين محوريتين في المنطقة وهناك العديد من مكامن القوة والموارد والتي إن تم التعامل معها من منظور استراتيجي ستنتج عنها فوائد اقتصادية واجتماعية جمة تلامس المواطنين في الدولتين. ويمثل عمق الترابط الشعبي بين البلدين والعلاقة الأخوية بين القيادتين التي تجمعهما عوامل الترابط والتكامل فرصة كبيرة للارتقاء بالعلاقات الثنائية، وخاصة الاقتصادية بما يخدم المصالح المشتركة، ويعظم الاستفادة من الروابط الأخوية والتاريخية بين البلدين. وذلك من خلال الدور الكبير الذي يمكن أن يقوم به القطاع الخاص من كلا الجانبين لرفع آفاق التعاون الاقتصادي وتعزيز التجارة البينية وإقامة المشاريع الاستثمارية المشتركة.

وتعد الشقيقة الكبرى، من أهم الشركاء التجاريين بالنسبة للسلطنة؛ حيث وصل حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى نحو 2.5 مليار دولار أمريكي، فيما تحتل المملكة المرتبة الثانية في قائمة الأسواق التصديرية غير النفطية للسلطنة. ولا شك أن هذه الأرقام يمكن مضاعفتها عبر تعزيز دور مجالس الأعمال المشتركة بين ممثلي القطاع الخاص من كلا الجانبين بهدف تشجيع الاستثمارات البينية، ودفع التبادل التجاري والصناعي والاستثماري وخاصة في ظل الإمكانات والمقدرات الزاخرة بين البلدين الشقيقين. حيث يمكن أن يلعب القطاع الخاص من الجانبين دورًا مهمًا بالتوازي مع الدور الرسمي الاستراتيجي لقيادتي البلدين الشقيقين. وهناك العديد من المجالات التي يمكن من خلالها تعزيز فرص التكامل والتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري في القطاعات المُختلفة.

ولا يخفى التقارب الكبير بين الرؤيتين "عمان 2040" و"المملكة 2030"، في الغايات والتوجهات الاستراتيجية، والتي يمكن أن تشكل رافعة للتعاون والتكامل لتحقيق الأهداف المشتركة؛ حيث تناديان بضرورة تغير النموذج التنموي القائم على ريع النفط والغاز والاستيراد للسلع والخدمات وتغول الحكومات في إدارة ملفات الإنتاج والتشغيل إلى نموذج قوامه إطلاق قاطرات النمو المتعددة وتعزيز الإنتاج والقيمة المضافة والمكون المحلي وزيادة الصادرات والشراكة الحقيقية مع شركات القطاع الخاص للقيام بواجباته تجاه ملفات الإنتاج والتشغيل والتصدير.

ولا تخفى جاهزية كلا البلدين بعد عقود من الاستثمار في البنية الأساسية والموارد البشرية للتحول النوعي وفق المعطيات والديناميكيات الجديدة كتغيرات في قطاع الطاقة ونشاط الطاقة المتجددة، والثورة الصناعية الرابعة، وجائحة "كوفيد-19"، والتغيرات الديموغرافية؛ والتي تستوجب إيجاد فرص عمل لأبناء البلدين في القطاعات الإنتاجية. كما إن هناك ضرورات جيوسياسة تحتم الدخول في علاقات استراتيجية بين البلدين لإدارة بعض الملفات والقضايا الشائكة والتي تتطلب درجة عالية من التنسيق ولعب أدوار جديدة تخدم مصالح البلدين. فعلى صعيد القوة الناعمة تمتلك السلطنة رصيدا غنيا في تسوية الخلافات والمواقف المشهودة والتي ترتكز على أبعاد تاريخية وحضارية لموقعها الجغرافي في ملتقى الطرق التجارية، وما عرفت به من وسطية واتزان وتعايش.

يمتلك الاقتصاد السعودي العديد من القاطرات الإنتاجية العملاقة في قطاعات البتروكيماويات وغيرها والتي تحتاج إلى أسواق جديدة ويمكنها من خلال الموقع الجغرافي المتميز الولوج إلى أسواق كبيره كتلك المطلة على المحيط الهندي والقرن الأفريقي والتي تتمتع السلطنة معها بعلاقات تجارية تاريخية. وترتبط السلطنة باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة والتي تمكن وصول المنتجات والسلع المختلفة إلى السوق الأمريكي العملاق. وتنفيذا لرؤية "المملكة 2030"، والتي تستهدف التكامل الإقليمي والخليجي، هناك آفاق واسعة وفرص استثمارية للشركات السعودية للقيام بالاستثمار في تطوير منشآت البنية التحتية في السلطنة لكي يمكنهم استخدامها للوصول إلى المياه الدولية المفتوحة في المحيط الهندي وبحر العرب. فلا يخفى أن المملكة سواحلها محاطة بمضائق وممرات يمكن إغلاقها عند الأزمات مثل مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس.

ومن جانب آخر، يتمتع الاقتصاد العُماني بالعديد من المزايا التنافسية التي تمكنه من جذب الاستثمار المحلي والإقليمي والدولي وتوفير فرص عمل فريدة للمستثمرين المحليين والأجانب، حيث تعتبر السلطنة واحة من الاستقرار ومركزا لوجستيا استراتيجيا في المنطقة، ويُمكن موقع السلطنة الاستراتيجي المستثمرين من الوصول إلى ثلاث قارات وأكثر من اثنين مليار مستهلك. ويمكن التفكير في العديد من المسارات التكاملية في مختلف القطاعات كقطاع اللوجستيات وقطاع كالثروة السمكية والتي تملك السلطنة فيه مخزونا عظيما يكون ويمثل أحد القطاعات الاستراتيجية التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة محلية وخارجية لتعظيم الاستفادة من إمكانياته. وهناك الكثير من الآمال معقودة على افتتاح الطريق البري المباشر الذي يربط المملكة بالسلطنة والذي من شأنه أن يختصر المسافات ويخفض التكاليف ويسهل انسيابية السلع والخدمات والأفراد بين الدولتين الشقيقتين.

وختامًا.. ما جائحة كوفيد إلا بداية لسلسلة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم، ولن ينجو منها ويصمد أمام رياحها إلى أولئك الذين أخذوا بالأسباب وأعدوا العدة للتغلب عليها واقتناص الفرص العظيمة التي تفرزها؛ وذلك من خلال التعاون والتكامل.