"إسطنبول أم إسطبل الخيول؟!"

تقوى محمد الجراح

في العالم الآخر الذي خلقته لنفسي بين الكُتب بعيدًا عن واقعي، تقودني في مُقدمته جودي أبوت¹ التي تقول في رسالتها لي:  استمري، ألم تري ما فعلته أنا؟ تحررت من الميتم الذي حبست فيه لسنوات وها أنا أكمل دراستي في جامعة طالما تمنيت الدخول لها، عليك أن تعتادي المُفاجآت من الجميع أيضًا (فهمتِ قصدي بالتأكيد)، ولابد أن تكتبي الرسائل لكل أحبتكِ -كما أفعل أنا- حتى يشعروا بمقدار حبك لهم.

المحبة لك دائمًا، جودي.

بعدها تصحبني هايدي² للمراعي الخضراء مع صديقها بيتر والعنزات لأتعرف إلى "لِتل سوان" و"لتل بير"، وتريني تلك الزهور التي تقطفها وكأنها تعلم كم أحبها! وبعد يوم طويل نعود إلى كوخ الجد ليُقدم لنا ما لذَّ وطاب من الحليب والخبز، كم أن رائحته جميلة، وكم أن هواء الجبل منعش، أظنني الآن تيقنت من سبب تشافي كلارا.

عند توديعي لهايدي، تستقبلني كورالاين³ ببرود كعادتها، لكن لا بأس فالمهم تلك المُغامرات التي سنقوم بها، تلك الأم الأخرى، عانينا الكثير بسببها، ذلك القط الأسود لم يحبني وأنا بادلته الشعور ذاته، تذهلني شجاعة كورالاين، شجاعة بالمعنى الصحيح وليس ذلك المتداول، فهي تقول دائمًا: "الشجاعة أن تكون خائفًا، خائفًا جدًا، خائفًا للغاية، لكنك تفعل الصواب رغم ذلك"، أستطيع الجزم بأنَّه أفضل تعريف للشّجاعة.

خرجت من عند كورالاين وأنا أقبض أنفاسي، لأجد المُقامر⁴ ينتظرني! لم أذهب معه قط لأراه يقامر من أجل باولين، بل كنت دائما أقف معها أنتظر مجيئه في شوق لمعرفة سبب طلبها المُلِحِّ على النقود، لما من المقامرة تحديدًا؟ ، بالرغم من اتفاقي مع ألكسي في بعض آرائه، لكني لازلت لا أستطيع فهم هوسه بباولين، لذا نصيحة مني إياك والتعلق بشخص إلى هذا الحد.

محطاتي كانت كثيرة، كثيرةً جدًّا..

ما أردت إيصاله من ذِكري لِهذه التجارب الخيالية في تواجدي مع الشخصيات، أن واقعنا قد يتشابه مع الروايات بطريقة أو بأخرى، لكن الأهم هو تحكمنا بأنفسنا ومنعها من الغوص في عالم الخيال كل الوقت، فكلنا لدينا عائلات ومسؤوليات علينا الالتفات لها أولًا، وبعدها التجول مع من نشاء من شخصيات وفي أي مكان وزمان، وإياك والظن أن عالم الخيال إسطنبول، وأنت تعيش حقيقةً في إسطبل الخيول، فكُل له جماله بعدم تخطي خطوطه الحمراء..

 

 

 

¹ جودي أبوت، هي بطلة الرواية الشهيرة (صاحب الظل الطويل) للكاتب جين وبستر.

² هايدي، هي بطلة الرواية السويسرية المعروفة (هايدي) للكاتبة يوهانا شيبري.

³ كورالاين، بطلة الرواية المعروفة (كورالاين) للكاتب نيل غايمان.

⁴ المُقامر، رواية للكاتب الروسي فيودور دوستويفيسكي.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك