حل مشاكلنا يكمن هنا

خلفان الطوقي

بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية لدينا مع نهاية 2015، وتضخمت مع نهاية عام 2019، ووصلت ذروتها الآن في عام 2021، بدأت الأزمة بتذبذب حاد في أسعار النَّفط، واكتملت بموجة من قرارات فرض الضرائب وإغلاق كثير من الأنشطة التجارية نتيجة استمرارية تفشي جائحة كورونا، وهذه الموجة ما زالت مستمرة، وسوف تأخذ في طريقها مزيدًا من الضحايا من التجار في قادم الأيام، بين مفلس أو مُغلق لنشاطه التجاري، أو مديون ومحال للمحاكم، أو دامج أنشطته المُتعددة في نشاط واحد، والمحظوظ من هؤلاء من لديه محفظة استثمارية واسعة تضم في طياتها اسهمًا وسندات وودائع محلية وعالمية، والمحظوظ أيضًا من لديه نشاط تجاري لم يتأثر بالإغلاقات الأخيرة، وربما يكون من الفئة القليلة الناجية والرابحة!

تمر عُمان بأصعب مرحلة، تمر بمخاض عسير، فهي تقع بين خيارين، أحلاهما مر، فمن ناحية هي مطالبة بأن تضخ مزيدًا من السيولة في السوق من خلال المزيد من المشاريع التنموية، وتمنح مزيداً من التسهيلات المالية الملموسة للمتضررين من جائحة كورونا، وما أكثرهم! ومن ناحية أخرى، ألزمت نفسها بتطبيق برامج نوعية حكومية منبثقة من البرنامج الوطني للتوازن المالي بهدف السيطرة على تضخم الدين العام، وإيقاف الهدر المالي في الصرف بالمؤسسات الحكومية المختلفة، وزيادة الدخول المالية من الموارد غير النفطية. لكن يبدو واضحًا أن ثمة مصاعب في الموازنة بين ما ألزمت به الحكومة نفسها، وبين ضغوط المطالبات المجتمعية والشعبية المتنوعة المالية وغير المالية.

أصبحت الأغلبية من الناس تعلم عن المخاض العسير الذي يمر بنا، وخاصة المطلب المجتمعي البارز، وهو تجدد المطالبات بالفرص الوظيفية بين فترة وأخرى، فلا يمكننا أن نتخيل أن الحكومة سوف توظف جميع الباحثين عن عمل في الوحدات العسكرية والأمنية، وأن تكرر ذلك عند نشوب حاجة لتقليل نسب البطالة، فهذا لم ولن يكون حلاً منطقيًا أو مستدامًا، فما الحل إذن؟

الحل لمعظم مشاكلنا الاقتصادية يكمن في توسعة رقعة النشاط الاقتصادي، بمعنى زيادة الأنشطة التجارية وضمان بقائها ونموها، والمحافظة على المستثمر المحلي وتشجيعه ودعمه من خلال السياسات الاقتصادية التي تأتي في صورة قرارات وإجراءات وحزم تحفيزية بين فترة وأخرى، وسياسات تشجع المستثمر المحلي على أن يتوسع في نشاطه التجاري، وفتح فروع لأنشطة تجارية جديدة، وتشجيعه على ضخ الكثير من مدخراته البنكية، من خلال تحويلها من ودائع بنكية إلى سيولة مالية، فضلاً عن تبني سياسات تضمن طول فترة استمرار تواجد التاجر في السوق، وعدم إخراجه منه لسبب أو لآخر، إلا في أضيق الحدود، فإذا ضمنا المستثمر المحلي، فمن السهل إقناع وجذب المستثمر الخارجي أفراد ومؤسسات استثمارية وحتى دولا من خلال صناديقها السيادية.

وتوسعة رقعة الاقتصاد تعني بكل سهولة، زيادة الأنشطة التجارية، ومن ثم زيادة الفرص الوظيفية، وبالتالي قلة البطالة، وزيادة القوة الشرائية في المجتمع، وزيادة أرباح المؤسسات التجارية، وضمان الضرائب عليهم، واستدامة الرسوم على الخدمات الحكومية سنة بعد سنة التي سوف ترفع مستوى خزينة الدولة ليكون فائضًا لا عاجزًا، وبالتالي سوف نبتعد عن شبح تضخم الدين العام، وبعدها سوف نضمن قدوم المستثمر الخارجي بسهولة الذي سوف يرى بأن البيئة الاستثمارية صحية وجاذبة، ومن ثم سوف تنشأ أنشطة وخدمات نوعية مصاحبة جديدة تخدم مختلف أنماط الحياة، وهلم جرا، سلسلة تبدأ ولا تتوقف بل تنمو، تضمن للفرد والدولة الازدهار والتنمية المستدامة، وغير ذلك لن يكون إلا حلا مؤقتًا ومكلفًا في ذات الوقت.