الوطن السيبراني

عبدالعزيز بن ناصر الرواحي **

تطور مفهوم الوطن عبر عشرات القرون بحسب احتياجات كل أمة لفرض هويتها على جغرافيتها وحماية حقوقها من قبل من يحاول سلبها تلك الحقوق فكان مفهوم الوطن يشمل الأرض وكل ما هو على تلك الأرض ومن ثمَّ تطور ليشمل المفهوم البحار تحت مُسمى "الوطن الأزرق" ومع دخول تكنولوجيا الطائرات، خلال المائة عام المنصرمة، بدأ اتساع مفهوم الوطن ليشمل السماء ومع دخول الإنترنت فى العقد الأخير من القرن الماضي وظهور شركات عملاقة تقدم خدمات تمس خصوصية المواطنين والمقيمين في كل دولة بدأ البعض مؤخرًا يتحدَّث عن مفهوم جديد للوطن وظهور مُسمى "الوطن السيبراني".

أصبح "الوطن السيبراني" ضمن الحقوق السيادية لبعض الدول والذي أصبح ضمن خطة الدفاع الوطني لبعض الدول المتقدمة  منها. هذه الحاجة ظهرت كون حقوقهم السيادية أصبحت عرضة للهجمات والانتهاكات المختلفة في العالم الرقمي أكثر من الحدود الفعلية وأصبحت المعلومات هي المادة الخام للعصر الرقمي كما الذهب والنفط والحديد بالنسبة إلى الثورة الصناعية.  فقامت بعض الدول بإنشاء مراكز للدفاع السيبراني قادرة على حماية أهم المنشآت الاستراتجية من هجمات رقمية خارجية والتي تسبب ضررًا لايقل عن الهجمات بالأسلحة التقليدية بالإضافة إلى إنتاج تلك المراكز برامج محلية تكون أكثر أمنا من المستوردة وتتوافق مع قوانين تلك الدول ليس فقط في حماية المنشآت بل حتى في حماية حقوق المستهلكين المحليين.

مفهوم "الوطن السيبراني" أصبح ضرورة مُلحة في السلطنة لما له من مردود ليس فقط ثقافي بل وحتى اقتصادي. فزيادة الوعي بهذا المفهوم في عقول النشء الجديد سيزيد من استعداد الجيل القادم في الصمود ضد التحديات السيبرانية في المستقبل وهذا الوعي يتم عن طريق فعاليات متنوعة كالندوات وحلقات العمل المتخصصة إلى جانب التوعية المُجتمعية عبر وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي. بالإضافة لعمل سياسات وتشريعات في هذا المجال والتي تشمل مناهج دراسية حديثة في البحث والتطوير والابتكار في مجالات التقنية وقوانين تنظم عمل هذا المفهوم الجديد للوطن بما يفيد ليس فقط في خلق "وطن سيبراني" آمن  بل فرص اقتصادية جديدة لما لهذا المجال من مردود اقتصادي موعود إذا تمَّ توظيفه بالشكل المثالي.

** متخصص في تكنولوجيا المعلومات.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك