"لو أهل عمان أتيت"

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledAlgailani

 

أخرج الإمام مُسلم في صحيحه من حديث أبي برزة الأسلمي؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى حي من أحياء العرب مبعوثاً فسبوه وضربوه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:" لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"؛ الله أكبر أعظم به من ثناء، وأكرم بها من شهادة نفتخر بها أبناء عُمان، ونُفاخر بها الزمان على مر دهوره وعصوره، ونباهي بها الإنسانية من مشارق الأرض ومغاربها، ولعمري فإنَّ العرب والعجم يرجون من الرسول الكريم ثناءً وذكرًا؛ كيف لا وهو المعصوم الذي "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" سورة النجم، ورغم أنَّها شهادة نرتجي ثوابها، ونسعد جميعاً بها؛ إلا أنَّها مسؤولية عظيمة، وواجب كبير، وأمانة تحتاج البذل والصبر والمُثابرة.

وقد أشار الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث إلى أنَّ فيه ثناء لأهل عُمان، وأي ثناء أعظم وأجل من ثناء الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، وفي شرح الإمام القرطبي لهذا الحديث الشريف والتعليق عليه أشار إلى  ثلاث صفات لأهل عُمان هي: العلم والعفاف والتثبت، وهذا أمر عظيم وصفات نبيلة، والسمات والصفات أمر يتناقله الأجيال وتتوارثه النَّاس، فالكرم صفة تلازم أهلها، وكذا الشجاعة، والنخوة، والمروءة وغيرها من الصفات الحميدة، وحتى الرذائل تتوالى مع أهل الرذيلة والفساد.

وبالعودة إلى تعليق الإمام القرطبي؛ في ذكر صفات أهل عُمان وهم يرثونها كابرا عن كابر، وجيلا بعد جيل، وهو فضل شهد به الجميع لأهل عُمان، فتعليق الإمام القرطبي أن أهل عُمان يحرصون على العلم فهذه حقيقة أثبتها الزمان وأكدتها الأيام أو ليس الإمام جابر بن زيد عُمانيا، وكذا الخليل بن أحمد، وابن دريد، والطبيب راشد بن عميرة، والشيخ نور الدين السالمي، وابن الذهبي، وناصر بن عديم الرواحي، وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم برزوا في شتى فروع العلم والمعرفة، وغدت أعمالهم العلمية مضرباً للمثل ومطلباً لطلاب العلم، وغاية لبلوغ المرام وتحقيق الأمل.

وأما العفاف فإنَّ أهل عمان دعاة للسلام والتعاون وحسن المُعاملة ورعاية الحقوق وصون الحرمات، بعيدون عن الفجور والخصام وسوءة الخلق، حريصون على رأب الصدع وحل الخلاف وتقريب وجهات النَّظر، فهم من أسلم طوعاً دون حرب ولا قتال رغم بُعد أرضهم وكثرة عددهم وعدتهم، وهي أدوات النصر وعناصر السبق وركائز الفوز، ولكنهم عندهم من رجاحة العقل وبعد النَّظر ما يُمكّنهم من وزن الأمور وتقليب المُعطيات وتحديد الصالح منها والضار، ومضوا على نهج السلام حتى غدت عُمان في عصرها الحديث قبلة للأمن وراية للسلام، وملتقى الخصوم، تتكسر على عتبات أرضها سهام الحقد ورماح الخصومة، وتعلو بين قادتها وأهلها رايات المحبة وورود الألفة، وتنبت على أرضها معاني  الإنسانية، فلله در قوم طلق محياهم، سلم لقاهم، نقية نفوسهم، كريمة طباعهم، أهل نجدة ونصرة وغوث وعون.

ثم إنَّ التثبت صفة من صفات أهل عُمان؛ وهذه منقبة عظيمة، وخلق كريم، ذلك أن أي أمر عندهم محل نظر وتمحيص، وأنهم لا يأخذون الأمور على علاتها؛ وإنما يدرسونها ويحللونها ليعلموا النافع منها فيأخذوا منه قدر الحاجة، والضار فيتركوه، كما أنهم ينظرون الخبر وناقله ويرون رأي عقل وحكمة وفراسة فلا يستعجلون في حكم، ولا يحكّمون العاطفة في قرار، وهذه لوازم حسن الإدارة والتدبير، وأسس الحكم، وثوابت الدول.

وهم في ذلك يفضلون غيرهم ويسوسون الناس. فلا خير في جماعة تحكمهم العواطف وتسيّرهم الأهواء ويأخذون الناس بالظّن، فكم من قوم دبّ الخلاف بينهم، وفرق النزاع شملهم؛ لأنهم سمعوا دون روية، وحكموا دون معرفة، وقرروا دون دراية وتمحيص.

وندرك جميعاً في وقتنا الحاضر ضرر الإشاعات وخطر نقل الأخبار دون وعي ومعرفة، وتمحيص وتفنيد، فالإشاعة في ظل هذا التقدم والتسارع في وسائط التواصل ووسائل الاتصال؛ تمثل خطراً داهماً، وسبيلاً نحو بث أدوات الزعزعة وفقدان الثقة بين عناصر المنظومة المجتمعية، وندرك جميعاً هذا الخطر وضرره المنظور وغير المنظور.

أبناء وطني الأماجد

كم نحن اليوم بحاجة ماسة، وأهمية بالغة ليرى القاصي والداني، والقريب والبعيد، والمُحب وغير المُحب هذا الحديث الشريف المُبارك مسلكا ومنهجا نبذل له، ونعمل لدوامه، ونسعى لاستمراره، كم نحن بحاجة ماسة ليعلم الأبناء والبنات من شباب هذا الوطن أنهم كتلة من الأخلاق، ومجموعة من القيم تمشي على الأرض، كم نحن بحاجة ليدرك الناس من حولنا أننا مختلفون عن غيرنا؛ وأننا أهل حِلم عن قدرة، وعفو عن مقدرة، وسلام عن حكمة ومنزلة ومكانة وقوة ومنعة، وأننا نؤثر بدماثة الخلق وحسن المعشر وبشاشة اللقاء، وفي التاريخ شواهد لا تخفى، فقد كنَّا رسل إسلام وسلام فلبى دعوتنا كل من سمع النداء، وسنبقى كذلك لأننا نحن وحدنا أهل عُمان لا نعرف لسوء الخلق طريقاً، وخور الطباع مكانًا. ذلك أننا شموس ساطعة، ونجوم لامعة، ورايات عز عالية، وأمجاد تترى متوالية، لا نتغير ولا نحيد، وقد مكّن الله تبارك وتعالى لنا في قلوب عباده محبة واحتراماً، وقيّض لنا ولاة أمر وأئمة وسلاطين عظام يسيرون على نهج السلام والمحبة، ويعملون وسعهم للتمكين لهذا الوطن الغالي، وهذه من أسباب السبق والتَّقدم، ومن أدوات التنمية والتطور، وقاعدة من قواعد الاقتصاد المتنامي الناجح، فاحرصوا عليها، واعملوا لها؛ تنالوا الخير وتبلغوا الأمل.

تعليق عبر الفيس بوك