حالة الطوارئ لمواجهة "الحرب الصحية"

مدرين المكتومية

في ظل التزايد المُقلق للغاية بوفيات وإصابات فيروس كورونا (كوفيد-19) ومع تفشي المتحورات الجديدة (ألفا- بيتا- دلتا)، وأخيرًا ظهور حالات مُصابة بالفطر الأسود، كمُضاعفات من الإصابة بكورونا، بدا واضحًا للجميع أننا نخوض حربًا صحية في مواجهة فيروس شرس لا يعرف الرحمة، ويريد أن ينال من الجميع، فماذا علينا أن نفعل؟!

الحقيقة أنَّ السجال بين المواطن والحكومة، لن يجدي نفعًا، فلا يُمكن إلقاء اللوم على الحكومة بالكامل؛ حيث إنَّ العالم أجمع يئن تحت نير هذه الجائحة، والجميع اكتوى بنيرانها واكتوى بويلاتها اقتصاديًا وصحيًا واجتماعيًا ونفسيًا بل وسياسيًا! وفي خضم حالة الحرب اليومية، تتزايد أعداد المنومين في المستشفيات، حتى باتت الأطقم الطبية تصرخ في داخلها بأعلى صوت كفى! الأمر الذي نتج عنه ضغوط شديدة وغير مسبوقة على القطاع الصحي، ودفع الكادر الطبي لإعلان حالة الاستنفار العام، فالأمر قد خرج فعلًا عن السيطرة، ويتعين إعلان خطة طوارئ صحية محكمة للانتصار في هذه المعركة الوطنية، على أن يكون جنود هذه المعركة المُجتمع بأسره، وليس وزارة الصحة أو الأطقم الطبية، فهؤلاء قدموا الغالي والنفيس.

المرحلة الراهنة التي نعيشها ليست مسؤولية وزارة الصحة وحسب؛ وإنما مرحلة تكاتف الجهود.. مرحلة التعامل مع الوضع الراهن كما كنَّا نتعامل مع الأنواء المناخية، فقد هزمنا جونو وفيت وغيرها من الأعاصير والعواصف المُدمرة، والآن الدور على كورونا، هذا الوحش الكاسر الذي لا نراه، لكنه يرانا هو وقبيله من حيث لا نعلم..

على الجميع أن يقوم بدوره، فالمؤسسات الإعلامية وعلى رأسها وزارة الإعلام، يجب أن ينتشر مراسلوها وكاميراتها وميكروفوناتها في محافظات وولايات السلطنة كافة لنقل الحدث وتعزيز التوعية الصحية، وبث الأمل في نفوس الناس، وكذلك الحال بالنسبة للقطاعات العسكرية وخاصة الخدمات الصحية فيها، من خلال الاشتراك في تقديم المساعدة في تنظيم عملية توزيع اللقاحات المضادة للمرض بأسرع وتيرة مُمكنة، حتى لو تطلب الأمر أن نعمل على مدار على 24 ساعة، لا يمنعنا في ذلك سوى اتخاذ القرار السيادي الذي يُقر هذا الأمر، علينا أن نفتح المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، وأن نعمل بأقصى طاقة مُمكنة، فاللقاح- كما قلت في مقال سابق- هو الحل، ولا بديل عنه، إلى جانب طبعاً الإجراءات الاحترازية.

نأمل أيضًا تفعيل دور مكاتب المحافظين والولاة، ومنحهم الصلاحيات اللازمة للمشاركة في الحملة الوطنية للتحصين ضد كوفيد-19، فالمعركة ليست معركة وزارة الصحة بمفردها، بل هي معركة مجتمعية، ويجب بصورة حتمية أن نضع جدولًا زمنيًا لعملية التطعيم، وألا نكتفي فقط بالقول إننا نأمل الوصول إلى نسبة معينة من التحصين المجتمعي بحلول شهر سبتمبر أو ديسمبر، نريد أن نضع مؤشر أداء للتطعيم، وعدّادًا يحسب كل جرعة. أيضًا نأمل أن يتم طرح تطبيق أو موقع إلكتروني في أسرع وقت مُمكن كي يتمكن الراغبون في التطعيم من التسجيل ومن ثم الحصول على اللقاح بكل أريحية، بدلاً من الانتظار في حر الشمس لساعات سواء في السيارة أو التكدس في مركز التحصين.

والأهم من ذلك كله أنَّه يتعين على الجميع- وأقصد هنا المواطن والمقيم أولًا- تحمل كامل المسؤولية، إذ لا يجب بعد اليوم إلقاء اللوم على وزارة أو لجنة، بل على كل ذي عقل أن يتخذ الإجراءات اللازمة لحماية نفسه وأهل بيته، فالوضع يستدعي العمل بكل جهدٍ وتفانٍ، وبذلك نسير في خطين متوازيين: التطعيم باللقاحات بأسرع وتيرة ممكنة، وأيضًا تطبيق الإجراءات الاحترازية.

إن الوضع الذي نعيشه- كما هو الحال مع الكثير من دول العالم ومن بينها بريطانيا التي اتخذت إجراءات صارمة للغاية، بل وأجلت تخفيف هذه الإجراءات، على الرغم من إحراز تقدم كبير في تطعيم المُجتمع البريطاني، وذلك في ظل تفشي المتحورات.. علينا كأفراد أولًا أن ننظر للموضوع بصورة أكثر جدية، خاصة وأن الأمر بات كارثيًا ومحزنًا، حيث بلغ عدد الوفيات يوم الثلاثاء 33 وفاة، وهذا ليس بالأمر الهين والسهل.

هناك أصوات تُنادي بعودة الإغلاقات، لكن أقول لهم إنَّ هذه الإغلاقات لم تعد الحل، بل الأهم أن يتحمل كل فرد المسؤولية المُلقاة على عاتقه، فالانهيار الاقتصادي الذي حلَّ بالكثير من دول العالم- وعُمان جزء من هذا العالم- لم يعد قابل للتكرار، فأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بدأوا يتنفسون الصعداء ويتجاوزن خطر دخول السجن لعدم قدرتهم على سداد الالتزامات البنكية التي حصلوا بموجبها على تمويل لافتتاح مشاريعهم.

إننا بحاجة إلى استراتيجية قصيرة المدى لتحقيق التحصين المجتمعي عبر التطعيم باللقاحات المضادة للمرض، في فترة لا تتجاوز الشهرين إلى 3 أشهر على أقصى تقدير، بإشراف من وزارة الصحة، على أن يقوم المحافظون والولاة بدورهم المتوقع.

إن ما نشهده اليوم من فيروسات متحورة خاصة المتحور "دلتا" الشرس- يُؤكد الحاجة الماسة لمثل هذا التكاتف، والتوقف عن إلقاء اللوم المُتبادل بين المواطن والجهات المعنية، فكلنا شركاء في الوطن، وعلينا أن نثق أنَّ مؤسساتنا الوطنية تبذل الغالي والنفيس من أجل حماية عُمان وشعبها من أي خطر مُحدق.

إننا اليوم أمام حرب حقيقية، حرب لا يُمكن التنبوء بنتائجها والتكهن بعواقبها، لكننا متأكدون من قدرتنا على النصر؛ لأنَّ إرادة الأمم تقهر الصعاب، وتحطم المعوقات ولو كانت من جبال شاهقة، إنِّها حرب لن ننتصر فيها ما لم نشارك جميعنا في مواجهة عدونا المشترك، والخلاص منها ليس مسؤولية فرد واحد أو جهة واحدة، بل وفق آليات تكاميلة وتشاركية.. فهل نحن مستعدون لرفع سلاح المُقاومة المجتمعية، وإلحاق الهزيمة بالعدو "كورونا؟ نعم. مستعدون وقادرون بإذن الله تعالى..