فلانٌ كشجرة التين البري

سعيد بن أحمد المعشني

مررت بشجرة تين بري مُعمرة في ريف ظفار وتساءلت في نفسي: ماذا تعني للإنسان في وقتنا الحاضر بالرغم من أنَّ ثمارها لم تعد مصدر غذاء رئيس للسكان، وقلّ من يستظل بظلها، -والمؤسف- الآن لم يعد أحدٌ يعيرها اهتمامًا فوق قدرها ومكانتها، فلقد كانت مُهمة في الماضي، وأصبحت مهمشة في الحاضر، وقد تكون منسية في المُستقبل، وبعد دقائق وأنا سائر في الطريق رأيت شجرة من فصيلتها لكنها مُختلفة عن الأولى، تبدو يافعة وقد نمت على صخرة كبيرة، وتسيل جذورها إلى الأرض- بأعجوبة- تذكرت عندئذ المثل الشعبي "اذيلين آغى اطق" أي: فلان شقيق التين البري يُشبّه فيه الإنسان بشجرة التين البري لجامع وجودهما في المكان الصعب الذي يستحال فيه العيش والوجود.

ما من شكّ أن الشباب قوة وطراوة ونشوة فإن لم تستغل القدرات في آنها فما الجدوى من وجوده بالأصل ولكنّ التحدي هو الفيصل في الأمر كمثل شجرة التين الصغيرة التي ذكرتها آنفًا، تحدت الصعوبات -بقدرة قادر - فوجدت مكانها، لتصل جذورها إلى تراب الأرض، كمثل الشباب، منزلتهم العُلا، فما زالوا يبحثون عن المكان فكل واحد منهم يبحث عن مكانه، فهم يمرون بتجربة أشد قساوة من الصخرة، والعجيب أنَّ جذورهم المعرفية والثقافية والعلمية تقبل التحدي لتمتد من أعلى الصخرة إلى الأرض، فكلما اقتربوا من الأرض ارتفعوا ليصبحوا شامخين كتلك الشجرة، فروعها تعلو في السماء فيعجب المار بمكان نموها، وبطول ارتفاعها، وسماكة جذعها، وقوة فروعها، وصلابة قوامها، ونضارة أوراقها، وفي الحقيقة ثمة سر جلل ولم أدركه إلا في النهاية، لم أرَ ثمارًا للشجرة بالرغم من أنها يافعة!

ولم أرَ تحتها بقعة تُظل مخلوق من هجير الصيف! فهل يا تُرى وجودها مثل عدمها؟

لا أستطيع أن أحصي فوائد شجرة التين البري قديمًا ولكن في الحاضر أرى الأطفال يرمونها بالحجارة ليجمعوا ثمارها فلقد بعدوا عن مسلك القدامى الذين كانوا يتسلقون فروعها ليجمعوا ثمارها بحب وود نفعي وحميمية ممزوجة بحكمة مقدَرة قيمة الأشياء، بلى فليست كل الأشجار مثمرة فأنا لست بالخبير أو العارف في علم النبات لكني أظن أنَّ الشجرة التي لم تثمر في يفعانها من المحال أن تثمر في سن متقدم، لذا فإنَّ من المفترض أن تكون كل الأشجار مثمرة وظليلة، لكن هذا محال، فلتكن مثمرة أو ظليلة، فإن كانت غير مثمرة وغير ظليلة، فلابد من منفعة فإن حاطب الليل فأسه لا يرحم.

تعليق عبر الفيس بوك