من تحت الرماد

 

فاطمة الحارثية

 

حُكم على بعض البشر أن يصنعوا وجودًا للاختلاف، فلم يختار المختلف أن يأتي الاختلاف بإرادته، والغالب من الناس يوارون جوانب الاختلاف عندهم، لتجنب حكم الآخرين، والبعض الأخر يؤدون الفكر المختلف خوفًا من الرفض؛ قد يُمثل الاختلاف لدى البعض في طباعهم أو سلوكهم أو طريقة فهمهم أو نظرتهم للأمور، وهي مميزات وجودها رحمة من الله، وقد يكون الاختلاف ممتعًا وجميلًا أو مُتعبًا ومُرهقًا، لكنه يبقى وجوده حقيقة لا يمكن وأدها. علمًا أننا قد نجد لدى المختلف حلولًا جذرية، تصنع ما لا نتوقعه، وربما يُقدم الفكر المختلف أسبابًا لصناعة المعجزات.

إن إجماعنا على وجوب حفظ دائرة الراحة والطمأنينة يُعد ضربا من العجز، فالنمو يحتاج إلى الإضرابات، والألم، والاختلاف، والخلاف مع الإصرار على إبقاء الود، ونبذ العصبية الفكرية وتنمر الأنا، وقطع سُبل المصالح الشخصية سواء المباشرة أو غير المباشرة.

لا تولد المشكلة من رحم العدم، فلا بُد من ظروف وتغذية وتطور لتتشكل الأسباب ويتحول الحال إلى أزمة ومشكلة، يأتي البعض إلى ساحة المشكلة مباشرةً، ويحاول صناعة الحلول وكما أثبت التاريخ، تلك الحلول ليست إلا متنفس مؤقت وقد تُزيد من احتدام الوضع، وإن صنع بعض الهدنة، ويأتي آخر يشتري الوقت ويبدأ في التحليل والبحث والتحقق، على أمل صناعة التيه، والمضي نحو تقادم الأمر وهم أصحاب مقولة "الوقت كفيل بحل جميع المشكلات" أي الوقت كفيل بأن ينسى الناس.

إن المشاكل يصنعها التغيير والعكس صحيح، بالتالي ما الذي نحتاجه عند كل تغيير، أو عند صناعة الحلول أو تنفيذها، إن الأمر ليس بالجلل إذا ما أدرك الإنسان ما يُراد منه في هذا التغيير، أو ما قد يجنيه من أي "حل" عام كان أو خاص، فالحاجة الفعلية هي المنهجية والتسلسل المنطقي لدرء المقاومة، بمعنى أن يشمل "الحل" ربح مُشترك بين المُقرر والمتأثر؛ من أجل تحقيق القبول والموائمة، أن يشمل "الحل" بيان بالإيجابيات والمخاطر وسُبل تكيف المخاطر، أن يُجانب صانع "الحل" التوازن بين منافع ومضار "الحل"، وأيضا أبعاد أثر وآثار "الحل"، أن يكون "الحل" جماعي مُتفق عليه، يسبقه أو يتبعه تهيئة وإعداد واستعداد، وأن لا يُصنع "الحل" في غرف مغلقة ولا على جمر أزمة.

الريبة والشك في كل قرار لتطبيق أي "حل" أمر طبيعي وصحي، يكفله وحدة العمل، وتعاون الجهات المختلفة على رأسها من يُنفذ عليه القرار، حتى تكون المسؤولية مُشتركة في احتواء ثغرات القرار وسلاسة التطبيق وتحقق النتائج المُستهدفة.

للإعلام دور لا يُستهان به في عملية إيصال مفاهيم صياغة الحلول والقرارات، وتحفيز الرأي العام من قبول ووعي، وأيضًا إيصال آراء جميع الأطراف، في بيان وشفافية عن أثر تلك الحلول والقرارات وبناء حوارات بناءة، يقيمها مع مسؤول أو مُمثل يُدرك المنطوق والمكتوب وكافة الآثار، والأطراف المختلفة بمن فيهم عامة الجمهور. 

إن مُجمل القرارات تأتي كحل أو تغيير لظرف أو ظروف معينة، بمعنى هي حلول وليست أزمات جديدة أو إضافة أخرى لحزمة المشاكل، وهذا يؤكد على أهمية السيرة الفكرية وأهلية ووعي الفريق الصناع للقرارات والحلول وخطط التنفيذ، وأيضا خبرة وثقافة وكفاءة مُتخذ القرارات؛ أما التنفيذ والتطبيق فهو عمل جماعي مشترك.

لا يوجد "حل" كامل، لكن نستطيع في الحلول والقرارات المرنة أن نحتوي أي ثغرات تنفيذية، ونطور النتائج حسب المتغيرات، ونتدارك أي خلاف أو ضرر لم ننتبه إليه، فالعقول الجميلة هي العقول المُدركة لقدرها ومداها ونقصها وكمالها بغيرها.

----------

سمو...

هناك صناعة "حل" وبناء "قرار"، وهناك اتخاذ قرار ولا يُدرك ما بينهما إلا المسؤول الحقيقي.