"حب ما تعمل.. حتى تعمل ما تحب"

وداد الإسطنبولي

أضحكتني هذه المقولة كثيرًا، فعنوان المقال استوحيته من فيلم سينمائي مصري للممثل القدير "أحمد حلمي"، لا أروج للفيلم هنا؛ لأني على يقين أن الأغلبية شاهدوه، وبرغم الطابع الفكاهي الذي يتسلسل عليه السيناريو، إلا أني أخذت منه فكرتي التي تناسبت مع الواقع الحقيقي الذي نعيشه الآن.

جلست يومًا مع إحدى الأخوات الباحثات عن فرصة عمل، وكنت مستمعة جيدة لها حيث لم أتفوه ببنت شفة، فقد أدركت أنها لا تُريد مبادلة الحديث، بقدر ما تُريد أن يُرهف أحدٌ لسماعها؛  فقالت ناهضة:

"أنا الإنسان العربي الصغير، كلي أحلام طفولية أُغرد بها على الأغصان، فقد كنت عند التحليق أشعر بصفاء السماء، وزرقة البحر، وتفاصيل سأصل إليها بالسعي، أقف الآن مترددة في فتح ذلك المُغلف المنمق (الشهادة الأكاديمية) أو في عدم فتحه؛ لأنني الآن لم أجد من ذلك التحليق الجميل، سوى رائحة تراب الأرض، أشمها وأشعر أنَّ لي وطن، حيث إنِّه الأمر الوحيد الذي ليس له يد تتدخل به. فعزمت على نفسي وجاهدتها أن أقف على قدمي، وبينما أنا على هذه الحال أقهقه كالمجنون  على تلك الأيام التي نالت من كل نفسي، فقد سحب بساط الزمن عمري بسرعة هائلة، لأقف متزامنا مع المنتظرين بحلم الخمسين، لأمسك ذلك المغلف  بين راحتي  أجده قد عمل صداقة وثيقة مع ساعة حائط المنزل. وأضحك   حين أنظر إليه، وبالمقابل أنظر إلى عقرب الساعة الذي يتحرك بسرعة، وأخاف أفقد تعب السنين، ويذهب عمري سدى، ولأجد ترهلات الزمن تزحف نحوي".

ثم استرسلت قائلة: "وتذكرتُ مثلًا مصريًا -اليوم نُحلق كلانا مع جيراننا المصريين- ولست واثقة أهو مثل أو مقولة يتداولونها "أزمة وتعدي"، فوجدت أنَّ الأزمات كثرت، بل وتوالدت أزمات أخرى، لم تتزحزح بل استوطنت، وأنا أقف مع الواقفين..  فتذكرت أسلافي المناضلين، فقد جاهدوا  سنينا عجافا، وضاقوا المر من أجل الصعود والنهوض..  فلماذا لا أجاهد أيضًا باختلاف الأمس عما هو اليوم.. فقد تعبت وضجرت من دفء الفراش، وتأمل صفحات الجرائد بهوامش التشغيل، وانتظار البريد يرسل لي فرحة البريد الإلكتروني." .

وبعد أن شردت بمخيلتي قليلًا عن صديقتي، استدركت قولها بأن (" أينشتاين قال: لا شيء يحدث طالما لم يتحرك شيء" ففي الحركة بركة).  

أحمد حلمي في فلمه المذكور، عمل في أي شيء، وكل شيء، وتغيرت حياته بسبب موقفه النبيل في أحد تلك الأعمال، ربما كانت الصدفة والحظ حليفا له، ولكنه أحب أي عمل عُرض له بما يوافق مُؤهلاته، حتى تمكن أخيرًا من العمل في المجال الذي يحبه هو، وهو بهذا حقق مقولته على أرض الواقع "حب ما تعمل، حتى تعمل ما تحب".

والسؤال المطروح... بماذا فكرت ناهضة؟! وهل ستنتظر الحظ والصدف أم ستصنعهما؟! وأي طريق ستسلك؟! فكما تقول الوقت يمر من عمرها سريعًا، ومن أمنياتها كالعجوز الكسيح، والتجاعيد سريعة البناء، فهي تُريد أن تنفرج أساريرها بالعمل بمقتضى ذلك المغلف الذي تجاوز ساعة الحائط.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك