انتصرت فلسطين رغم الجراح

 

حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

أن يوافق العدو الصهيوني الغاصب على هدنة بلا شروط؛ فهذا-لعمر الحق- دليلٌ قاطعٌ على ارتباك المُعادلة، وانقلاب الموازين، واختلال القوانين، وسقوط الصنم الذي يُنْفخ فيه سنوات عدة، حتى خُيِّل لنا أنّ جيشهم القوة التي لا تُقهر، والجبل الذي لا يُنْطح ولايتزعزع، والبحر الذي لا يُبْتَلع، لكن انكشف الغطاء، وسقط القناع، وتبخَّر البحر، واندكّ الجبل دكاً دكاً، وأصبحتْ وأمست وأضحت وظلّت وباتت القوة التي لا تُقهر، كالفروة التي تتبختر، وكالهِرة التي تتسكع، وكالرغوة المنفوخة في الهواء ما تلبث أن تنفجر.

لقد سطّر المجاهدون -وأيم الله- نصرا مؤزرا ومؤثرا على المعادلة في أرض الواقع، فكسروا شكيمة العدو الغاصب، ومرّغوا بأنوفهم التراب، ومردغوا بهم كلّ ممردغٍ، وركّعوهم رغماً عنهم، ولقّنوهم دروسا في الأدب، والأخلاق، وعلّموهم معنى الشجاعة الحقّة، ومسحوا بوجوههم في الوحل، وداسوا بأقدامهم على مناخيرهم، ومزّقوهم كلّ ممزقٍ، وحَدّثوهم سِرّاً أنّ السلاح في يد الجبان الإسرائيلي كالحذاء تحت قدم الفلسطيني لا حراك له، وأنّ الحصاة في يد الطفل الفلسطيني تساوي ألف سلاح عند أنذال بني صهيون!

أيُّها المؤمنون الشرفاء المرابطون المجاهدون الثائرون، كم يعزّ علينا أن نسمع صريخ الثكالى! وصياح الأطفال! ونداءات الشيوخ الكبار! وصيحات الحرائر المُؤمنات! ولا نُجِب..

إنّ الخزي والعار لحق بهذه الأمة التي سمعت، وتسمع تلك الصيحات والنداءات وقد رضوا أن يكونوا مع الخوالف، فطبع الله على قلوبهم.

لكنّ ذلك الصمت المُخزي والمعيب لا يمثل كل الشعوب الإسلامية، التي قُهِرت، وظُلِمَت، وحُرمت من حقوقها، وشُغِلت بالبحث عن لقمة عيشها، فإنَّ دماءها تثور، وعزمها وحزمها مُعلق بكل ما هو مقبول ومعقول، وقلبها ينبض بحب مسرى الرسول، لكنها تتحين الفرصة.

إننا نفخر ونُفاخر بهذا الانتصار العظيم الذي شرّف الأمة الإسلامية- وإن كنَّا لا نستحق أن نشارككم هذا العيد المجيد؛ فنحن المقصرين-، لكن اقبلوا من جاء نادمًا حزينًا تائبًا، معترفًا بتقصيره، راضيًا بحكم ربه، مستعدًا للتضحية للقضية، وامسحوا تقصيره، واسمحوا له بالفرحة معكم، فقد انتقلتم بالأمة بهذا النصر من مساومة العدو وقَبول شروطه إلى إرغامه وإذلاله وصفعه بشروطه في وجه، واستبدالها بفرض الشروط، والتزامه بالمشروط.

إننا نَشْتَمّ رائحة النصر من بعيد، ومَنْ لم تُسْعفه حاسة الشّم، باشتمامه رياحين النصر، فعليه بحجر نفسه لمدة أربعة عشر يوماً، لأنه قد تأكد لدينا إصابته بفيروس النفاق في قلبه، وأُصيب بكورونا الخذلان في عقله (وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).

فلله در أبي عبيدة، قد قالها مدوية تحملها الملائكة إلى السماء إنّ "قرار قصف تل أبيب وما بعدها أسهل علينا من شربة الماء إذا استبيح أقصانا".

فأيّ رجالٍ أنتم؟! وأيّ أمهات تلك اللاتي أرضعنكم؟! بل أيّ إيمانٍ تحملون في قلوبكم؟! ليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما!!

أعدتم لنا العزة يا أهل غزة، علّمْتمونا قبل أن تلقنوا عدوكم الجبان معنى قوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ونتلوا قوله تعالى ولم نُدرك معناه:{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وكأنها نزلت اليوم، بعد هذا النصر المؤزر.

لكن السؤال الذي يلحّ علينا أن نقحمه بقوة وعنف وقسوة وشدّة، ويحتّم علينا إسكاته بجوابٍ نفحمه، وبدليلٍ نقطعه، هل معركة النصر، أو نصر المعركة انتهى؟

كلا وألف كلا، بل الآن بدأت، وإن كنَّا اشتممنا رياح النصر ورياحين الانتصار من بعيد، فعلى أمة مُحمد أن تلتحم، وتنضوي تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وتنبذ الخلافات خلفها إلى غير رجعة، وتعتصم بحبل ربها المتين، فإنّ المِحن التي تنخر في عضد الأمة يجب أن تُجمّع من بعد فرقة وشتات، وأن الوقت حان للبذل والتضحية، كلٌّ بالسلاح الذي (يتقنه) ويتفنن ويبدع فيه ، وإلا سنستدعي من تراث الأمة اللغوي القول المشهور "يا زيد كأنك ما غزيت".

فيا رب زد في إيماننا، وانصرنا على أعدائنا أعداء الدين،  واجعلنا متعلقين بك، محتاجين ومفتقرين إليك، مكتفين بك، وحدك لاشريك لك، مستغنين عمّن سواك.

تعليق عبر الفيس بوك