تبًا للرماد

 

سعيدة البرعمية

على قرار ما مضى، وما أنت فيه وما سيأتي، هل عانيت ضيق أنفاسك، أم هي التي ضاقت منك؟ وعلى قرار ذلك كله، هل عانيت يوماً من صعوبات التعلم أم هي التي عانت منك؟

بعد عمر مضى، وبعد سنوات من التفوق والنجاح، تتضح معاناتي مع صعوبات التعلّم. فرأسي على ما يبدو كان محشياً بالرماد، ألم يتوصل العلم بعد إلى ما يُعيد تدويرالرماد؟  إن كان هناك ما يُعيد التدوير؛ فليعد رماد ذهني كما كان لهيباً.

تلك العيون االتي غيّرت مجراها، وأوهمتني أنا وأنت أنها ناضبة هي التي تسببت بوجود الرماد في ذهني، امتلأت سطوري بحروف العلة، وأدوات الجزم والنصب، وحروف الجرّ وأدوات الشرط، ولام الأمر وأسماء التفضيل، وأسلوب الإستثناء والتمييز والبدل، ولا وجود للمضارع فيها!

تزاحمت علامات الاستفهام في ذهني، أخذت أُقلّب بصري، في صفحة الدرس دون إجابة! شعرت بالإخفاق اتجاه نفسي، صارت الفكرة تتفنن في إيصال ذاتها دون جدوى، تبا للرماد. 

اتضح لي أيضاً أني أُعاني الانتماء؛ فأنا سليلة مجد، حفيدة أسد البحار، ولكن انتمائي يُعيق حصولي على عمل، تلك الجالية المعروفة التي كان جدّي يجوب بحارها استولت هي الأخرى على بحري، جرفت سمكه ومحاره.

لم تكن هذه معاناتي فحسب؛ إنما لغة التمنى قد أرهقتني؛ فأنا أتمنى دون أن أسعى، هل تتحقق الأماني دون سعي؟!

الجلوس تحت سحابة شتوية لن يُحقق الأماني؛ بل السعي لتحقيقها هو من يأتي بها، المعاناة أيضاً مع الإغراق في المزيد من الأحلام، فقد جعلتني أحلامي  فرداً دون جماعة، وأوشك التوحد على الإستيلاء علي.

استنزفتا " لعل وعسى" طاقتي، على عِلم ومرأى من جميع النواسخ، وجعلتها ضمن هيمنة الخوف والرجاء، فسلب مني الأفق البعيد أمنياتي ثم أحلامي.

يحدث الآن صراعي مع تلك الصعوبات، وجاري البحث عن حسن التكيف معها، فقد أعددت حبوب البنادول والقهوة ورياضة اليوجا، والخروج للبحر كلما دعت الضرورة. أما أنت، فحتما تختلف معي وترى أنني سلبية وربما انطوائية وربما أفتعل ذلك؛ ولكن انظر حولك، فسترى أشباهي كثر من حولك.

تركتُ صداقة الناس، واتجهتُ لصداقة البحر؛ فهو مستمع جيد، يسمع ولا يعارض، يأخذ همومي ويقذفها أمامي على ظهر الموج؛ فأستمتع برؤيتها أمامي تتقاذفها الأمواج، وقد انزاحت جميعها من حطام رأسي.

وكأن القناعة تملأني؛ فأكتفي بمشهد الموج أو مشهد غروب أو ليلة قمرية، أوالاستمتاع بالجلوس تحت زخات المطر مستلهمة معنى العطاء! أهي قناعة حقا، أم تغابي، أم اقتداء بأدباء المهجرفي تأمل الطبيعة والإكتفاء بها؟!

لم يعد مشهد الشروق يجذبني، فكل الصباحات تتشابه أمامي، كما أن الطيورعافت الجلوس معي ولم تعد تسمعني زقزقاتها، بحكم أني كبرت، فالصباحات بهجة الطيوروالأطفال، حدّثتني  إحداهن على استحياء من مسافة ليست بالبعيدة، قائلة: "الشروق لنا والغروب لك".

لم أستنكر ما قالته العصفورة؛ فهي تفرد جناحاها وتُحلق متى شاءت؛ فلا عجب أن يكون لي الغروب ولها كلّ الصباحات؛ لكنّي أخاف أن يأتِ يوم يحذو فيه الغروب حذو أخيه الشروق وأُمسي على هامش ركام الزمن.

تعليق عبر الفيس بوك