نخالف ونعمل.. والنتائج مبهرة

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

تمر الأيام تترى ونحن في مهل، وتسير بنا الساعات في عجل ونحن بين رشد وفتوة وصحة، وبين شيبة وكهل وهرم، يأخذنا ولا يفرق بيننا، فيارب إن حان موعدنا فأحسن خاتمتنا وتوفنا وأنت راضٍ عنَّا، واجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

ها هو شهر رمضان ودّعنا قبل أن نودعه، وكثيرون منِّا ودعوه قبل أن ينقضي، فمنهم من فارقنا بغتة وما كنَّا نتوقع فراقهم، ولا كانت النفس تحدثنا بانقضائهم، فيارب لطفك إن صرنا إلى ما صاروا إليه.

قارئي الحبيب المُحب.. إنَّ شهر رمضان المبارك وشهر الخير انجلى منذ أيام، إنِّه شهر التهجد والعبادة ودعناه كحال الذين ودعناهم فيه طوال مدته، فأؤلئك كان منهم القريب والجار، والحبيب البار، والرفيق الصار، وكثيرون غيرهم من تمَّ تشييعهم إلى مثواهم الأخير، في حضور لم يكن بالكثير، وفي تجمع بين مُهلل ومُكبر سره حتى الأجير، فالذين ماتوا في الأيام المعدودة التي خلت عن قرب،  كانوا منِّا وفينا ولا زلنا نشعر بوجع فراقهم، وبحزن كبير على وداعهم، فكيف بأؤلئك الذين سمعنا عنهم فقط وهم لا يقربون لنا.

أيُّها الحبيب لقد جاء شهر رمضان فمكث بيننا أياماً، فمنا من عمل له وكانوا صياما، ومنا من كان بين مُفرط وممني النفس هيام، فيا من تقرأ لي قل الحمدلله أن كنَّا أنا وأنت من زمرة الأحياء إلى هذه الساعة، ومن الذين مدَّ الله في أعمارهم.

فيا ربنا استودعناك شهر رمضان فأعده علينا أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ولا تخرجنا منه إلا مرحومين مغفور لنا ومن النيران مُعتقين.

أيها القارئ الحبيب إن كان شهر رمضان انتهى فرب شهر رمضان باق تبارك في علاه، ولا زال هناك متسع لتصحيح المسار والعودة إلى جادة الصواب، والقرب إلى الله وتحسين علاقتنا به، فهو جلَّ جلاله يقول "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم".

فمجالس الذكر والإيمان موجودة ومستمرة حتى قيام الساعة، وخلق بيئات إيمانية في بيوتنا ومناطقنا أمر متاح ووارد وفي مقدورنا الاتيان به، فعلينا أن نشد أزر بعضنا البعض، بعدم التأخر عن الركب والجماعات ومجالس الذكر وحلقها، فالله يقول "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا".

إنَّ هذه الدنيا زائلة لا محالة، ولا يصلحها ويصلحنا إلا وجود الدين في حياتنا كاملاً مكمل، وهذا لا يتم الحصول عليه، إلا من خلال الجلوس في بيئات إيمانية بشكل يومي، نستمع فيها قال الله جلّ جلاله وقال رسوله الكريم، وبهذا تشتاق الأنفس للتطبيق، وعندها تشعر بالتقصير بعدما يزداد منسوب الإيمان، وتبدأ الأقوال والأفعال والنوايا تتغير، ويأتي الصلاح بإذن الله تدريجياً في كل شيء وأقول في كل شيء.

فالذي سينفعنا بعد أن تقوم قيامتنا هو عملنا الصالح فقط، فالجنة هذا المكان الذي عرضه السماوات والأرض كل منِّا يريده ويتمناه، وهو مطلبنا لا شك، إلا أنَّه حُفَّ بالمكاره، فكل عمل تكرهه النفس من الأعمال والأفعال يقود إلى الجنة، فترك النوم والملذات والشهوات مثلاً والقيام إلى الصلاة وقضائها في وقتها وجماعات ثقيل على النفس ومكدر للشيطان، لكنه إن قمنا به يقودنا إلى الجنة والسعادة في الدنيا والآخرة، كذلك الجلوس في حلق الذكر أمر نستصعبه إلا من رحم ربي ووفقه وهداه إلى ذلك، لكن إن داومنا عليه فإنه طريق إلى الجنة بإذن الله.

كذلك الانتهاء عن ما نهى الله عنه من فعل وقول يقود إلى الجنة، التي فيها ما لا عين رات ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولنا أن نتخيل ذلك.

في الجنة قارئي العزيز التي أعدها الله لعباده المُتقين والصالحين وللأنبياء والرسل والشهداء خلود أبدي، في الجنة لا يوجد مرض اسمه السكري أو الضغط أو الشرايين أو الفشل الكلوي أو أو أو، في الجنة راحة أبدية ونعيم مُقيم دائم.

لكن سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم يقول"الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّه الأماني".

فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن من هو الذي لا يُريد حياة سعيدة أبدية، ومن هو الذي لا يُريد نعيما مقيما وفي جنة عرضها السموات والأرض، فالأمر يُمكن أن يتحقق، فقط يحتاج أن نقول لربنا سمعاً وطاعة يا رب يا حبيبنا يا الله، ونجرب مخالفة النفس والشيطان والهوى والدنيا، وعقب ذلك ننظر إلى الآثار الإيجابية.

تعليق عبر الفيس بوك