أجراس العودة

سعيدة البرعمية

 

أصغت فيروزلأنين المكان الذي افتقد ساكنيه، وبات يضجُ بأصواتٍ صاخبةٍ ووجوه غريبة ينكرها، فأصغى بدوره لها متيقنا من عودة ساكنيه؛ فالسامع لأغنيتها " الآن الآن وليس غدا " التي غنتها منذ زمن، بكلمات وألحان من الأخوين رحباني، يتولّد لديه شعورأنّ تلك الأغنية كُتبت في ذلك الزمن، لنشهد نحن ملاحم النصرفيها.

 

سيف فليشهر في الدنيا ولتصدع أبواق تصدع

الآن الآن وليس غدا أجراسُ العودة فلتُقرع

أنا لا أنساكِ فلسطين ويشد يشد بي البعد

أنا في أفيائك نسرين أنا زهر الشوق أنا الورد

سندك ندك الأسوار نستلهم ذات الغار

ونعيد إلى الدار الدار

نمحو بالنار النار

فلتصدع فلتصدع أبواق أجراس تقرع قد جن دم الأحرار

 

عارضها نزار مستفهما، جازما، معتذرا:

        

من أين العودة فيروز والعودة تحتاج لمدفع

عفوا فيروز ومعذرة أجراس العودة لن تقرع

 

لم تبالِ فيروز باعتراض نزار واستمرت تشدو للمكان، تُطرب الطير فيمتلئ قلبه بالحنين لعشه المتشبث بأشجارالسرو الدائمة الخضرة، على طريق حيفا ويافا وأللد.

 

استمد الطير من صوتها الملائكي، أجنحة الحرية؛ ففرد أجنحته محلقا على طريق العودة، وها هو الآن يسعى جاهدا للتحلّل من قيود الأمس، وقد امتلأت رئتاه بأكسجين الحرية.

 

 الآن الآن،،،

 

 يبدو أنه حان قرع أجراس العودة، التي أوصلها صوت فيروز مسامع الأحرار؛ فعبّدو طريق العودة بدمائهم، ومدّوا جسوره على فوهات المدافع وقذائف الهاون لمحو النار بالنار.

 

هذا يثبت لنا أن توقعات نزار قد خابت، وأنّ عزم الرجال قد صنع المدفع المعجزة، فتوالى إطلاق المدفع تلو المدفع، أين نزار فالعودة باتت على ظهرالمدفع؟

 

اندلعت عزائم الأحرار، تقذف شرر الغضب في عيون المعتدين؛ فأحسن الله بها عزاء الشعوب في كلّ مومياء، باعد الله بينها وبين تابوتها؛ لتتحنط دهرا على عرش السيادة دون سيادة.

 

بشرّت الأحداث الأخيرة، أنّ في فلسطين مجموعة من نسخ صلاح الدين، تُعيد ذهن المحتل إلى ما حدث في حِطّين؛ فيدحر خائبا ذليلا، في مواقع مماثلة لحِطّين.

 

أخذت تلك النسخ تسمو وتتسلّق سُلّم النصر، رافعة أعلام الحرية، غير مبالية بهيجان بحر الدم الذي تبحر فيه، وغيرمبالية بحجم الخذلان المُنكبّ عليها من قِبل أقرانها.

 

لقد آمنت نسخ صلاح الدين أنها قادرة على تحقيق أهدافها، دون الحاجة لمن يرى أنه، لا ناقة له ولا جمل في ذلك المرعى. لقد آمنت أنّ القدس ينكر كلّ متخاذل، وقضيته تنكر قضاء الأرض، جاعلة كامل ثقتها في عدل قضاء السماء.

 

شمّرأحفاد صلاح الدين عن سواعدهم لنفض غبار الحزن عن الأقصى؛ فترنمت أصواتهم بصوت النار" سيف صلاح فليشهر، أين الحق فليظهر، حِطّين حِطّين فلتشهد، هنا التاريخ لا يرحم، سيف صلاح فليشهر، أين نزار ليرى المدفع"؟

تعليق عبر الفيس بوك