المحكمة الدستورية

 

أحمد بن سليمان العبري

يقتضي الفصل بين الاختصاصات في الدول أن تتوزع السلطة إلى ثلاث سلطات وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، ينشئها الدستور ويحدد اختصاصاتها والأطر العامة لها، ولمنع تداخل أعمال تلك السلطات أو تعارض ما يصدر من قوانين مع الدستور، فقد دأبت الدول على إقامة رقابة قضائية على مدى دستورية القوانين، ويمكن تعريفها بأنها آلية لضمان بقاء الدستور هو القانون الأعلى وذلك من خلال إصدار قرارات باتة وملزمة.

ووجود الرقابة الدستورية إحدى خصائص دولة القانون التي تتميز بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء وضمان الحقوق والحريات؛حفظاً للتوازن بين السلطات الثلاث وتكريساً للديمقراطية. وتأخذ هذه الرقابة عدة أشكال وإبرزها إنشاء محكمة دستورية، وسلطنة عُمان كونها دولة قانون سارت في ذات الاتجاه، حين نص النظام الأساسي للدولة على أن:" يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين والإجراءات التي لها قوة القانون والمراسيم السلطانية، واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها أحكامه، ويبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها".

وجاء في قانون السلطة القضائية إنشاء هيئة تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامه، بالإضافة إلى الاختصاص بالتنازع السلبي والإيجابي بين المحاكم، والفصل في حالات تنازع الأحكام، وقد صدر المرسوم السلطاني رقم 88/ 2008 بشأن هيئة تنازع الاختصاص والأحكام وحدد نظامها وإجراءاتها، والتي تختص بالفصل في حالات تنازع الاختصاص الإيجابي والسلبي بين المحاكم؛ وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام محكمتين ولم تتخلَ إحداهما أو تخلت كلتاهما عنها، وكذلك الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صدر أحدهما من جهة قضائية والآخر من جهة قضائية أخرى، دون التطرق إلى اختصاص تلك الهيئة بالفصل في مدى دستورية القوانين.

وعدم صدور قانون يُبين صلاحيات والإجراءات التي تتبعها الهيئة- المُشار إليها في قانون السلطة القضائية- بشأن دستورية القوانين، وفق ما نصت عليه المادة (11): "هي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامه، ويصدر مرسوم سلطاني يبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها"، يؤدي إلى غل يد تلك الهيئة من مزاولة أي إجراء متعلق بمدى دستورية القوانين، ويقودنا لا محالة إلى غياب المحكمة الدستورية أو الجهة التي تُراقب مدى دستورية القوانين.

وقد اتفقت الآراء على ضرورة إنشاء المحكمة الدستورية، وظهر الموضوع وخفت عدة مرات خلال الأعوام العشر الأخيرة، وما زال يشهد حراكًا غير منتظم الوتيرة دون إتمامه، فقد نُشر أن مجلس الدولة ناقش مشروع قانون المحكمة النظامية (الدستورية) المتضمن 43 مادة قانونية موزعة على 6 فصول، وقد أقره ورفعه للحكومة مرفق به مذكرة توضح أهمية القانون ومبرراته، إلا أن تلك الجهود لم تتوج بإنشاء المحكمة المنشودة حتى الآن.

وفي مرحلة تجديد القوانين وتنظيم الكيان الإداري وحوكمة إدائه، لابُد من الاستعجال في إنشاء المحكمة الدستورية أو ما يقوم بمهمتها مثل: إنشاء دائرة دستورية بالمحكمة العليا، أو منح هذا الاختصاص لهيئة تنازع الاختصاص والأحكام، أو تفعيل الهيئة المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية وفق ما تقتضيه المادة (85) من النظام الأساسي للدولة ، ونأمل أن تتمخض الإجراءات الناشطة في هذا الشأن عن ذلك.

يجب أن يُمنح موضوع إنشاء المحكمة الدستورية الاهتمام الذي يستحقه، لما له من أهمية في إرساء لدولة القانون وتحقيق العدالة، وفي حفظ الحقوق التي قد تُسلب بسبب مخالفة القوانين أو اللوائح للنظام الأساسي الذي أرسى مبادئ العدالة، والتي يجب أن تبقى سامية لا تمس ولا تُخدش.

تعليق عبر الفيس بوك