"الخلطة السرية" لجذب الاستثمارات (2-2)

خلفان الطوقي

 

تتنافس معظم الدول في جذب الاستثمارات الخارجية إلى بلدانها، لكن الملاحظ أنَّ هذه الإستراتيجة في تزايد ونمو مستمر، خاصة الآن مع استمرارية جائحة فيروس كورونا؛ ذلك لأنَّ كل دولة تحاول أن تعيد تموضعها من جديد في خارطة قدرتها على جذب الاستثمارات الخارجية، والسلطنة من ضمن هذه الدول، وبالرغم من وضوح اهتمام حكومتنا الرشيدة بهذا الملف- خاصة في الوقت الراهن ومنذ الربع الأخير في عام 2020- إلا أن الملف ليس سهلًا؛ بل ملف دسم ومتشعب، ولابُد من توافر خلطة محكمة تستطيع اقتناص الفرص العالمية، وتوجيهها نحو عُمان.

ولأن هذا الملف دسم ومتشعب وتحكمه عوامل داخلية وخارجية، كان لابد من إيجاد خلطة رصينة تتناسب مع المعطيات والمعايير العالمية، ومن وجهة نظري أن هذه الخلطة لابد أن تضم هذه المعايير الخمسة عشر:

  1. الواقعية: فالواقعية لا تعني بالضرورة الاستكانة والاستلام والرضا بالمقسوم، بل تعني أن نكون واقعيين بما يتناسب وإمكاناتنا المتوفرة، وألا نكون حالمين بما يتجاوز الواقع بكثير، فالخطط التنفيذية لابُد أن تتناسب مع ما لدينا فعلياً من إمكانيات بشرية ومالية وفنية.
  2. السرعة: السرعة في الاستجابة من كل النواحي، الاستجابة لطلبات واستفسارات المستثمر، الاستجابة لمتغيرات السوق، والاستجابة للظروف العالمية والمحلية، ولابد أن تكون هذه الاستجابة أسرع ما يُمكن، فإن كنَّا نرى أنفسنا نسرع، فربما غيرنا أسرع منِّا بكثير، ولابد لنا أن نزيد من سرعتنا قدر الإمكان بدون هوادة، فجميعنا في سباق.
  3. المرونة: لابُد للفريق الحكومي المشرف على ملف جذب الاستثمارات إلى السلطنة أن يكون جاهزا لكل السيناريوهات، ولديه المرونة الكافية للتعامل مع هذه السيناريوهات بعيدًا عن البيروقراطية المطولة والمكلفة التي لا يتحملها أحد.
  4. التسويق: مهما كان هناك جهد محلي، لا يكون لهذا الجهد أي قيمة تذكر، مالم ينعكس ذلك في تسويق هذا الجهد محلياً وإقليمياً وعالمياً، ولابد أن تكون هناك خطط تسويقية مكتوبة وواضحة ومركزة تشمل: (الأسواق المستهدفة/ ماذا نسوق/ الأدوات التسويقية/المسوقين) وغيرها من مكونات الخطة.
  5. اللغة الموحدة: يتوقع منِّا المستثمر أفرادا ومؤسسات أن نتعامل معه كدولة واحدة تحمل لغة واحدة، والأجوبة والإجراءات والتشريعات واحدة، لا أن يكون للوزارة الفلانية جواب، وجهة حكومية غيرها جواب آخر، لذلك فإن هذه النقطة لابد أن يتم التعامل معها كأنها من البديهات في كل تعامل حكومي محلياً وخارجياً.
  6. محطة موحدة: محطة عملية متطورة تستوعب عقلية المستثمر الذي لا يمكنه أن يذهب إلى عدة جهات حكومية ليحصل على عشرات التصاريح، بل يرغب في أن يحصل على ورقة واحدة من مكان واحد بها جميع التصاريح، ولو كان بقيمة أعلى، لكنها تبعده عن التشتت والبهدلة وضياع الوقت والجهد والمال.
  7. الكُلفة: يتوفر حالياً للمستثمر خارطة عالمية للاستثمار، يستطيع من خلالها أن يرى ما هو الأفضل له ربحيًا، وعلى ضوء ذلك سوف يقرر ما يناسبه، فهو يحكم عقله وجيبه، ولا تتدخل العاطفة إلا في حدود ضيقة، وسوف يبتعد عن أي دولة ترفع من كلفة خدماته أو منتجاته، ولن يهتم بالشعارات المرفوعة بل سوف يركز  في الميدان.
  8. التجديد: هي شبيهة بنقطة المرونة الممنوحة، لكن تختلف هذه النقطة قليلا، ووجه الاختلاف هنا أن تأتي المبادرة من الفريق المعني والمتخصص في جلب الاستثمارات بأن يسعى للتجديد المستمر من خلال التقييم والمراجعة الدورية لتفاصيل المنظومة وحوكمة كل مكوناتها التفصيلية من معايير الأداء والخطط التنفيذية، وطريقة الإدارة والتسويق، وتقييم الفرق المساندة، ومقارنة التشريعات، وأفضل المُمارسات وغيرها.
  9. الاستمرارية: هذا الملف في غاية الأهمية، ولابد من التركيز عليه، وذلك لأنَّ الخيارات المتوفرة غير مستدامة أو غير كافية، ولا يُمكن التوقف عن هذا الجهد، بل يجب المطالبة بزيادة التركيز عليه، وتطوير مكوناته، وتهيئة بيئة الأعمال الجاذبة، ويمكن تقييم التجارب السابقة، والبناء عليها.
  10. التمكين: كما هو معلوم فإنَّ هذا الملف متشعب وتنافسي، لذلك لابد للقائمين عليه أن يتمكنوا من النواحي التالية:
  • مالياً: تخصيص ميزانية مالية جيدة.
  • موارد بشرية مُؤهلة ومتخصصة وتؤمن بأهمية هذا الملف الحيوي.
  • فرق فنية وتشريعية: تستطيع مراقبة الأسواق المنافسة، وتبني أفضل الممارسات العالمية.
  1. التكاملية: هذا الملف الاستراتيجي لا يخص جهة واحدة أو جهتين فقط، بل يخص الحكومة بالكامل، ولابد من وجود قنوات مباشرة ومتينة بين كل أطراف الحكومة، والتعامل مع هذا الملف على أنه ملف يحمل شعار '"عاجل وهام جدا".
  2. القيادة والمؤسساتية: بالرغم من أنَّ هذا الملف يخص الحكومة بالكامل. لكن لابُد من تعيين جهة تكون بمثابة "الدينمو" المستوعبة لحيثيات وتحديات ومداخل ومخارج هذا الملف الحيوي والاستراتيجي بإشراف مباشر ودعم كامل من مجلس الوزراء الموقر.
  3. توظيف التقنيات الحديثة: والعمل على الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن، وأن تكون الاستفادة شاملة وفي كل جزء من منظومة الملف المتكامل لجذب الاستثمار، فحجم استخدامك للتكنولوجيا، تعني مدى وصولك للعالم المستهدف، والعكس بالعكس.
  4. البرامج التحفيزية المبتكرة: أصبحت الحكومات تتنافس فيما بينها لإطلاق حزم تحفيزية لجذب الاستثمارات الخارجية، بل تقيم هذه الحوافز بشكل دوري، وكذلك مقارنة نفسها مع غيرها، وكلما أحست أي بلد بأن هناك من يسعى لجذب البساط منها، أو أكل جزء من كعكة الاستثمار، تجدها تطلق حزماً تحفيزية تنافسية ومبتكرة، بعيداً عن الضرائب والمبالغة في رسوم الخدمات الحكومية وتشريعات عتيقة وعقيمة.
  5. الأمن والاستقرار: ولا يعني أن تأمن في بيتك أو تحركاتك فقط، لكنه يعني الأمن بشكل أشمل وأعم، بمعنى الأمن الشخصي والمالي والقانوني، وإحساسك بأن جميع حقوقك مصانة بمفهومها الشامل.

وختامًا.. بعد هذه النقاط الجوهرية، لم تعد خلطة جذب الاستثمارات الخارجية إلى السلطنة "خلطة سرية"؛ بل خلطة معروفة جداً، ومنوعة، مليئة بالفكر والتخطيط الاستراتيجي والجهود الميدانية.