محنة القدس

 

علي بن حمد بن عبدالله المسلمي

aha.1970@hotmail.com

 

يتغنى العالم اليوم بكثير من المفاهيم الحضارية، والقيم الإنسانية الرفيعة، والتكنولوجيا المُتقدمة الرقمية، وخاصة العالم المتقدم، الذكاء الاصطناعي، الديمقراطية، وحقوق الإنسان والعيش المُشترك والتعليم حق أساسيّ وحقوق المواطنة وحرية الأديان، والتعبير عن الرأي، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين، والصحة والرفاهية للجميع.

وأصبح هذا العالم قرية صغيرة؛ بسبب وسائل التواصل الحديثة التي تنقل الحدث في التو واللحظة، ولم يعد خافياً على أحد؛ إلا أنَّ العالم يغُط في سبات عميق عمَّا يحدث في القدس الشريف، وباحات المسجد الأقصى المُبارك، وفي حي الشيخ جراح، وفي غزة المُحاصرة الأبية والضفة الغربية وفي عموم فلسطين المُحتلة؛ إلا أصوات تعلو هنا وهناك وعلامات الشجب والإدانة التي تنطلق مثل جذوة الشمعة ينطفي بريقها بعد برهة ثم تنطفئ لا تحرك ساكناً.

أمَا آن الآوان لهذه الأصوات أن تنطلق في بعدها الإنساني على مختلف مشاربها "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"؛ لدعم شعب أعزل لا يحمل السلاح يدافع عن مقدساته يحمي عرضه ونفسه وماله منذ نكبة 1948؛ وهو محب للسلام في أرض السلام "أورشليم" وهو اسم كنعاني يعني مدينة السلام، ومسرى سيد الأنام: "سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى"؛ وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومهد السيد المسيح، والمقدسات المسيحية والإسلامية لا ينشد إنسانها سوى العيش الكريم في وطنه وأرضه، منذ آلاف السنين التي سكنها أجداده الكنعانيون العرب، وأسسها اليبوسيون الأوائل العرب الذين عاشوا في شبه الجزيرة العربية، ومهد الرسالات السماوية، ومرقد الأنبياء والصحابة قادة الفتح والصالحين، وموئل العيش المُشترك بين المسلمين والمسيحيين يمارس كل فريق شعائره، وحريته الدينية منذ العصر الإسلامي الأول، متميزة بطابعها العربي والإسلامي.

علينا أن ننطلق من منطلق مخاطبة الضمير الإنساني، والإخاء الأممي، عبر أروقة المنظمات العالمية والحقوقية والإنسانية والجامعات العالمية المشهود لها بالنزاهة، والفكر الرافض لجدار الفصل العنصري "الابراتهايد"، المعادي للإنسانية في فلسطين؛ لعلها تلقى آذانًا صاغية، ويُحتكم فيها لصوت العقل.. فكم سمعنا في بعض هذه الدول علماءً ومفكرين أجلاء أصواتهم منصفة؛ مثل: روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي الذي ناصر القضية الفلسطينية، ونورمان فنكلستين الأستاذ والمحاضر في العلوم السياسية والكاتب الأمريكي المعروف، وكين ليفنجستون السياسي البريطاني، وميل جيبسون الممثل ومنتج الأفلام الأمريكية الشهير، وغيرهم كُثر، وكذلك بعض أعضاء برلماناتهم مثل أعضاء البرلمان الإيرلندي، فضلا عن جهود المقاطعات الاقتصادية التي يقوم بها بعض الأفراد منهم لمقاطعة بعض المنتجات التجارية الصادرة من دولة الاحتلال، حتى يستيقظ الضمير الإنساني من كبوته عما يدور ويختلج النفس من آهات وعذابات لدى هؤلاء الأطفال والنساء والشباب وكبار السن نتيجة التعسف والظلم الواقع بهم في الأراضي المحتلة.

ويُستفاد من هذه الأصوات لعقد مؤتمرات وندوات عالمية عبر التقنيات الحديثة، والوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة؛ لنقل الصورة لمحاكاة ما يحدث في الواقع مثل شبكات التواصل الاجتماعي، والسوشل ميديا، والفيس بوك، والانستجرام، والتيك توك وغيرها لنقل ما يعيشه هؤلاء من ضنك العيش، وما يعانونه من مُمارسات لأبسط حقوقهم الإنسانية ليصل الصوت عالياً خفاقاً إلى عنان السماء؛ ليعي العالم أنَّ العرب والمسلمين والمنصفين دعاة سلام لا دعاة حرب؛ لعله يجد آذاناً صاغية توجد حلول من رحم المعاناة تنهي معاناة هذا الشعب الأعزل.

لقد طالت معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى الآن، وما حدث له من تشريد وقتل وتهجير إلى بلاد الشتات، أما آن الآوان لهذا الليل الطويل أن ينجلي، والضمير الإنساني أن يصحو؛ لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه حتى ينصف هذا الشعب، وتكوين دولته المُستقلة؛ ليعيش حراً كريماً كبقية شعوب العالم ليعم الازدهار والنماء، ويسود العالم السلام والاستقرار حتى يكون عالماً مُتحضراً مُتقدماً متسلحاً بالقيم والأخلاق واقعًا ومضمونًا.

تعليق عبر الفيس بوك