الكفاءات

 

سليمان الجابري

 

يتربع في مُسمى العمل المراد التَّقدم له عبارة الكفاءة التي هي أهم معيار لتحمل المسؤولية والفوز بالوظيفة المُناسبة، حيث يمتد مستواها حسب البيئة الوظيفية ومكانتها، ويشترط وجودها في عناصر التقييم الوظيفي والتَّقدم لها، وتنطوي في محورها نوعية الشهادة التي تحملها، وبين صفحات الكفاءة والشهادة تأتي الخبرة في وسطها، ويتخلل كل ذلك البحث عن الوظيفة التي تتناسب مع كل هذا... فلا نجدها إلا ما ندر منها.. لأن بعضها بعيد ولا يتناسب مع الآخر.

فنرى أن ما تمَّ دراسته على مستوى ما يطمح به الفرد لا يفي  بالفرص المطروحة والموجودة غالباً، فيلجأ أغلب الخريجين إلى أي وظيفة حتى لو لم تكن مناسبة وبعيدة عن التخصص فيغض الطرف عن مستوى الإدراك في المهارات المكتسبة وذلك لإيجاد العائد المادي الذي أصبح ومازال مطلباً مُلحاً للجميع بدون استثناء وخصوصاً في ظل الحياة وتزايد احتياجاتها.

لذا سنجده يقضي ساعات العمل بشكل روتيني يومي ولاسيما إن كانت بيئة العمل غير مُحفزة ومشجعة فتشاهد البعض يتبادل مع الغير داخل أو خارج إطار العمل فحوى التذمر الوظيفي وخصوصاً إذا لم يجد فيها التحديث والتجديد والاستشراف والتدريب المناسب فتنقضي سنوات العمر وهو مازال في نفس الوظيفة وبنفس المسمى الوظيفي.

عندما نجد الروتين اليومي حول مجموعة من المسميات الوظيفية في مؤسساتنا سنجد أنها فقط لسد فراغ في تلك المؤسسة، لأنَّ البعض خارج دائرة التخصص لها فالوظيفة الحالية المتواجد بها تعتبر عائقاً لممارسة الشغف الموجود لديه في اكتساب العائد المادي الكبير، فترى الفرد يلجأ إلى مجموعة من المهام أو الأعمال خارج إطار تلك الوظيفة لكي يرضي طموحه ولأنَّ الحلم الحقيقي تم أخذه من خلال قضاء الوقت والجهد في انتظار نهاية كل شهر لاستلام الراتب لتلك الوظيفة.

يرى أن هذه الوظيفة لا ترفع من كفاءته ولا تزيد من الطموح والفرص والمنافسة في الترقي الوظيفي والحصول على وظيفة يرغب بها، فنجد تنازله عن الطموح الذي يرغب به من خلال مستوى الندم على تفويت الفرص وهذا يزيد مع تناقص مستوى المهارات لديه.

الإرث الحضاري والتاريخي يستحوذ على بعض الوظائف... إرث متوارث وتراثي لا يميل ولا يحيد ولا يجدد ولا يساوم عليه لأنه مكتوب على جبين بعض الأفراد خارج الإطار من خلال انتظار مخرجاتهم العائلية، فقد تم تفصيلها بانطباق الشروط بالمستويات الوظيفية لهؤلاء ودون النظر لجانب المستوى والكفاءة والخبرة والشهادة و...إلخ.

المسؤولية تأتي بعد ذلك من خلال جملة مشهورة عبر الزمن من يعرفني هو مني ومن يتجنبني ولا يسمع مني فهو خارج إطار ما يبحث عنه في مستوى الطموح ولا يتناسب مع ما ترقى إليه مؤسستنا، فنرى بعض المسؤولين يبحثون عن مكنون هذا الفرد المُتغطي بأهله وماله ومكانتهم لتفصيل الوظيفة عليه ويسعون إلى إنجاحه في مستوى الوظيفة تخليداً للمصالح المشتركة وللإرث الحضاري لمسمى العائلة المترتب عليه مكانتها في البيئة المجتمعية والأسرية.

ثم نتساءل لماذا هذه الرتابة في مؤسساتنا ولا نجد فيها التأصيل الحقيقي للكفاءات والخبرات والدورات التدريبية والمنافسة في استشراف المعنى الحقيقي للتقدم والرقي سواء بالموظفين أو بالأفراد المنتسبين لها.

الوظيفة قد تستمد منك المعاني والشهادة والمعرفة ولكن ماذا استمددت أنت منها أيها الإنسان... هي مرحلة من حياتك تمضي دون أن تعي لها ودون أن تدرك أنك مجرد ضيف سيأتي بعدك ضيف آخر لا محالة.

أرى أن الشهادة ليست سوى ضمان للحصول على وظيفة ولكنها ليست ضماناً للحصول على عقلية منفتحة وضمير حي لاستشراف الرقي الأساسي في المؤسسة، إنما الأخلاق هي أعلى ما تقاس به رزانة الفرد فكل شيء زائل إلا الأخلاق تبقى ولا تحيد ولا تليد بالمنصب أو الجاه أو العائلة، فكن مثل ما تريد أن يعاملك الناس وليس مثل ما أنت تعاملهم.

هي خربشات قلم قد يجف ويمحى ما فيه من حبر بكلماته ونبضاته في ذات يوم عندما يضيء نور للتغيير في الاهتمام بالكفاءات الموجودة.

تعليق عبر الفيس بوك