رحيل الأحبة

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

هكذا نحن البشر بطبيعتنا نحب التمسك بالأشياء التي تعنينا، وبالشخوص والألقاب والأسماء والتاريخ والملامح والذكريات. نتمسك بها كأنها لن تفارقنا وكأننا لن نفارقها البتة وننسى مقولة: "عاشر من تُعاشر لابُد من الفراق"، وقيل الفراق هو الموت الصغير، وأنا أقول الفراق هو موت على قيد الحياة، فكم تمنينا أن نستمر وكم ضحينا وتألمنا بصمت وبصوت؟ لكن كل هذا لا يجدي!! فمن فارق مات، ومن مات دُفن، وكأنه لم يكن شيئاً مذكورًا.

قيل: أكره مراسم الوداع، الذين نحبهم لا نودعهم؛ لأننا في الحقيقة لا نفارقهم، لقد خلق الوداع للغرباء وليس للأحبة، وفي هذه الأيام وفي هذه الساعات نعيش أوقاتاً عصيبة مع هذا الوباء القاتل؛ فقد فارقنا وتفرقنا وليس الفراق بدون نظرة وداع وقبلة تطبعها على جبين ميت بفراق عادي؛ حيث إنك لا تتمكن من الرؤية، ولا تتمكن من القبلة ولا تتمكن من التنفس ولا تتمكن من طلب المسامحة الأخيرة. هنا كم صُدمنا برحيل شخوص من حياتنا وهم على قيد الحياة، وكم هو رحيل أصعب من الموت الحقيقي هو موت آخر.

أيها الأحبة.. فلنسامح بعضنا ولنعذر بعضنا، ولنصمت أحيانا لتجنب المشاكل ولنتجاوز لتستمر الحياة؛ لأن الموت لا يستأذن ولا يأخذ مواعيد، والوباء ينتشر وبصورة سريعة، لنلتزم ولنحافظ على بعض؛ فالمسؤولية هي مسؤولية الجميع صغيراً كان أم كبيراً، فنحن متساوون، والتزامنا هو الطريق الأمثل لنتجنب فيروس كورونا.

ونؤكد أن ما تبذله اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا؛ هو جهد مشكور، وليس بعيب أو خطأ أن نغلق تارة ونفتح تارة أخرى، فهذا من الحلول التي اتخذتها أغلب دول العالم. لذا وجب التنويه أنه ليس من حق بعض المغردين التطاول على القرارات، فاللجنة مسؤولة ومكلفة وهي في المكان الصحيح. صحيحٌ أننا قد نتذمر من الإغلاق، لكن هو إغلاق صحي لحمايتنا ومن أجلنا ومن أجل المصلحة العامة.

أما النقطة التي قيل بأن أصحاب المشاريع تضرروا؛ فحكومتنا لن تُقصر معهم، وستولي عين الاهتمام والرعاية لكل من تضرر، ولن تترك الجميع؛ وهي دائمة السعي لوضع حلول بأقل الخسائر المتوقعة، والحمدلله أننا وفي هذا البلد نحظى بقائد فذ ومغوار يُشار إليه بالبنان؛ فهو خير خلف لخير سلف، إنه مولانا وولي أمرنا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- فهو الأب الحاني والعاطف على شعبه دائما، وفي هذه الظروف التي يعيشها العالم، أثبت لنا أنه وبكل جدارة رجل المهمات الصعبة وأبو السلام والأمن والرخاء ونحن سعيدون به ونحبه.

أيها الأحبة.. إن ثقافة الرحيل في مجتمعنا باتت غريبة للغاية وغبية نوعاً ما في عالم يضج بالسرعة، ويضج بالغضب وعدم التسامح وقلة الوفاء أصبح الرحيل لدى البعض للأسف عادة معتادة، وأسهل رحيل هو الحظر على وسائل التواصل الاجتماعي (البلوك). ونتعجب هنا من هؤلاء البشر الذين يتبعون هذه الطريقة لأشخاص كانوا لهم مقربين وربما لهم محتاجين وعندما تنتهي المصلحة تنتهي الرغبة في التواصل؛ لأن الطرف الذي انتهت مصلحته أنهى آخر عقود الوفاء ومضى سريعاً حتى لا يسقط وجهه المتصنع فسبحان الله. والطامة الكبرى أنهم يصدقون أنفسهم أنهم صح والطرف الآخر هو الخطأ فحقيقة أصبح الرحيل سهلا وسريعا ومضحكا لدرجة التعجب!

في نهاية الحديث.. أود القول إنه يجب على الأوفياء عدم الانجراف في ذلك التيار المكتظ بالوحل، فحذار أيها الأحبة.

حفظ الله عمان ومن عليها ومبارك عليكم ما تبقى من الشهر الفضيل ودمتم بحب ومسرة.