منازعات اتفاقيات العمل الجماعية

أ. د. محمد ربيع فتح الباب **

جاء قانونُ العملِ، الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم 35/ 2003، خالياً من الإشارة إلى اتِّفاقيات العمل الجماعية، وكذلك منازعات العمل الجماعية، على الرغم من أهميتها في الواقع العملي، وتحديدًا بالنسبة إلى العمال، على اعتبارهم الأطراف الضعيفة في هذه العلاقات التعاقدية.

ويُقصد باتفاقية العمل الجماعية، الاتفاق الذي يُبرم بين نقابةٍ أو أكثر من النقابات العمالية وبين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، بقصد تنظيم شروط وظروف العمل وأحكام التشغيل. ويُشترط في اتفاقيات العملِ الجماعية، أن تكون مكتوبةً باللغةِ العربية، وموقعةً من طرفيها، وإلا كانت باطلةً. كما يُشترط ألا تتضمن ما يُخالف أحكام قانونِ العمل، أو النظام العام أو الآداب العامة، وأن تكون مُبرمةً لمدةٍ معينةٍ يتم الاتفاقُ عليها بين طرفيْها.

وتكمُن أهميةُ اتفاقياتِ العملِ الجماعية في أنها تتضمن تحديد مسائلٍ معينة في علاقةِ العمالِ بصاحبِ العمل، مثل: تحديد مدد الإجازات، وتحديد ساعات العمل، وإجراءات الصلح وتسوية النزاعات العمالية الجماعية، ووضع قواعد تعديل العقد وما يستحقه العامل من مُكافأة نهاية الخدمة، وكذلك وضع القواعد الخاصة بإبرام عقد العمل الفردي، وغيرها من المسائل التي تكفل حصول العمالِ على حقوقِهِم، وتوفير الراحةِ لهم.

والغالبُ أن تسبق اتفاقيات العمل الجماعية مفاوضات جماعية ناجحة، تُجرى بين النقاباتِ العمالية وبين أصحابِ الأعمال أو ممثليهم على مستوى المنشأة أو فرع النشاط، مما يُفهم منه أنَّ المفاوضات الجماعية تتم على مستوى النقابات وليس الأفراد. وتهدف المفاوضاتُ الجماعيةُ إلى تحسينِ شروطِ وظروف العمل، وأحكامِ التشغيل، والتعاونِ بين طرفي العمل لتحقيقِ التنميةِ الاجتماعيةِ لعمال المنشأة، وتسويةِ المنازعات بين العمال وأصحابِ الأعمال.

غير أنه يجب أن تكون هناك رقابة من قبل وزارة العمل، وكذلك الاتحاد العام للعمال الذي تُشكله النقاباتُ العمالية، على اتفاقيات العمل الجماعية، بحيث تكون لهما سلطةُ مراجعتِها، والتحققُ من بنودِها، بما يُحقق في الأخير مصلحةَ العمالِ، ولهما كذلك الاعتراضُ عليها مع إخطارِ طرفيّْها بالاعتراضِ وأسبابِه خلال مدة معينة يُحددها القانون، وبحيث لا تَنْفذ الاتفاقيةُ إلا بعد موافقة الوزارةِ عليها وتسجيلِها.

وأرى أنه في حالة فشل المفاوضاتِ الجماعية في حلِ النزاع أو عدم تضمن اتفاقيةِ العمل الجماعية ما يتعلق بتسويةِ منازعاتِ العمل الجماعية، يجوز لأي من طرفيّ العمل الالتجاءُ إلى الجهةِ الإداريةِ المختصة، والتي تتبع وزارة العمل بطلبٍ لأجل تسوية هذا النزاع.

وتبدأ إجراءاتُ تسويةِ النزاعِ بالوساطةِ بين طرفي اتفاقيةِ العمل الجماعية، وذلك من قِبل لجانٍ تنشأ بوزارةِ العملِ بقرارٍ من الوزير، لأجل تسوية نزاعِ العمل الجماعي، على أن يُراعى في تشكيلِها التوازن بين مُمثلي أصحاب الأعمال وممثلي الاتحاد العام للعمال، وممثلي الوزارة ذاتها، وبحيث يكون التشكيلُ وِترًا. ويكون للجنة كافة الصلاحيات فيما يتعلق بفحصِ النزاع، وسماع أقوال طرفيه، وطلب أي مستندات أو بيانات من طرفيّ النزاع. وللجنةُ أن تستعين في أداءِ مهمتها بذوي الخبرة.

وإذا نجحت اللجنةُ في تسويةِ النزاع خلال مدةٍ مُعينة يُحددها القانون، فعليها إثباتُ ذلك في محضرٍ، يتم التوقيعُ عليه من قِبل أعضاء اللجنة، وكذلك طرفي النزاع العمالي الجماعي، وينتهي الأمرُ عند هذا الحد.

وفي جميع الأحوال، يجب على اللجنة أن تقدم تقريرًا إلى الجهةِ الإداريةِ المُختصة، بما انتهت إليه، يتضمن ملخصًا للنزاع مسببًا بالتوصياتِ، وما تم قبوله أو رفضه لها من الطرفين أو من أحدهما، وأسباب الرفض.

أما إذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما ما انتهت إليه اللجنة من إجراءاتِ التسوية، فهنا يحق لأي منهما التقدم بطلبٍ إلى الجهةِ الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءاتِ التحكيم.

وتنشأ بالوزارة لجنةٌ للفصلِ في النزاعِ العمالي الجماعي بصورةٍ نهائية عن طريق التحكيم، ويكون تشكيلها وِترًا. على أن يُراعى أن يرأس اللجنة رئيسُ إحدى دوائر محاكم الاستئناف، وعضوية مُحكم عن صاحبِ العمل، ومُحكم عن العامل يختاره رئيسُ الاتحاد العام للعمال، ومُحكم عن وزارة العمل يختاره وزيرُ العمل.

وتختص لجنةُ تحكيمِ منازعاتِ العمل الجماعية، التي تنشأ بوزارة العمل، بالفصلِ بصورةٍ نهائية في النزاع العمالي الجماعي المعروض عليها، وذلك خلال مدةٍ مُعينة يُحددها القانونُ.

وتقوم لجنةُ التحكيمِ بإعلانِ كلٍ من طرفي النزاع بصورةِ الحكمِ بكتابٍ مُسجل مُوصى عليه مصحوبًا بعلمِ الوصول، خلال مدة معينة من تاريخِ صُدوره.

ويكون أخيرًا لطرفي النزاع الطعن في الحكم الصادر عن لجنة التحكيم أمام المحكمةِ العُليا، على أن تُتبع في الطعن، وكذلك الإعلان، الشروط والأوضاع والإجراءات المقررة في قانون التحكيم في المنازعاتِ المدنية والتجارية.

أستاذ القانون المدني المشارك بكلية الحقوق جامعة عين شمس وكلية البريمي الجامعية

تعليق عبر الفيس بوك