اختفاء المسحراتي ومدفع الإفطار

 

خالد بن سعد الشنفري

 

المسحِّر أو المسحراتي أو الطبّال أو النفّار في المغرب العربي أو المفلح في اليمن، حسبما يطلق عليه في الدول العربية هو؛ شخص يأخذ على عاتقه مهمة إيقاظ المسلمين في ليالي شهر رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبلة أو المزمار ودقها أو العزف عليها مع أداء بعض الكلمات والجمل المتنوعة والتي تتشابه في معانيها في معظم الدول العربية بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر بساعتين.

اختفى المسحراتي في الوقت الحاضر من مُعظم هذه الدول.

في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بلال بن رباح أول من يؤذن لإيقاظ المسلمين للسحور وابن أم مكتوم يقوم بمهمة إيقاظ الناس للصلاة، ويعتبر عنبسة ابن إسحاق أول من نادى بالتسحير سنة 228 هجرية، أما الاستعانة بالطبلة لإيقاظ الناس فقد ظهرت أول مرة في مصر.

كانت القاهرة أيضاً أول مدينة ينطلق فيها مدفع الإفطار عام 865 هجرية، والرواية التاريخية لذلك، أن السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين خشقدم، أراد أن يجرب مدفعا جديدا وصل إليه، وقد صادف أن إطلاق المدفع كان وقت المغرب بالضبط، فظن الناس أنَّ السُّلطان تعمَّد بذلك تنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم طيلة أيام الشهر إيذاناً بالإفطار، ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك، وانتشرت الفكرة بعد ذلك في أقطار الشام، كالقدس ودمشق، ثم انتقلت إلى بغداد وبقية الدول العربية، وانتقلت لأقطار الخليج قبل مرحلة النفط في أواخر القرن التاسع عشر وتوسعت لمعظم الدول الإسلامية.

من ذكريات رمضان الجميلة في صلالة في ستينيات القرن المنصرم، عادة إطلاق مدفع الإفطار وأيضا عند الإعلان عن عيدي الفطر والحج، وقد استنت هذه العادة في عهد السلطان سعيد بن تيمور الذي استجلب مدفعاً من مسقط لهذا الغرض، وكان يجهز ويهيئ للإطلاق قبل حلول الشهر الفضيل بأيام، وكان يتولى إطلاقه في البداية أحد عسكر السلطان يدعى سبيتي بن سعيد، تولى بعده بعد وفاته ابنه سعيد بن سبيتي.

كان الجميع يترقبون رؤية هلال شهر رمضان الفضيل، ومن أشهر الأماكن لترقب الرؤية في صلالة كان شاطئ الحصن والحافة لوضوح الرؤية ولتجمع أعداد كبيرة من الناس عادة بعد عصر كل يوم هناك على الشاطئ في حلقات  لتجاذب أطراف الحديث فيما بينهم وتداول وتناقل أخبار وعلوم المنطقة وأيضا لعب لعبة "الثبت" المحلية الشهيرة التي تشبه الشطرنج في شكلها وأسلوبها، إلا أنها تخط على رمل الشاطئ وتستخدم الأصداف أو الحصى الصغيرة كقطع لعب أشبه بقطع الشطرنج.

وأول ما يشاهد أحد من هذا التجمع الكبير الهلال ينادي بصوت عالٍ وهو موجه يده أو عصاه إلى اتجاه الرؤية، فتتجه أنظار الجميع إليه وحيث أشار، وبعد التثبت يذهب بعض الرجال الثقاة إلى مقر قصر الحصن حيث يكون الوالي والقاضي مجتمعان في البرزة مع بعض رجالها ويرفع الأمر فورًا إلى السلطان الذي يأمر ببدء إطلاق طلقة من المدفع المخصص لذلك وتستمر طوال الشهر الفضيل.

كان دوي صوت انطلاق المدفع يسمع في كل أنحاء صلالة وإلى الدهاريز شرقا وعوقد غربًا.

ينتشر المسحراتي أو المفلح في  أحياء صلالة، مسحراتي الحافة كان يدعى عبيد رحمة الله عليه، كان يمتهن النجارة وفي ليالي رمضان يقوم بمهمة المسحراتي، يمشط حارات وأزقة الحافة  ضارباً على دفوف طبلته ليتردد صداها إلى كل بيت، كان جهوري الصوت ببحة مميزة وينادي أثناء ذلك بكلمات مثل؛ رمضان كريم، اصحى اصحى، وحِّد الله، فلوح فلوح، فيصحى الناس على هذه النغمات الشجية.

لقد كان فعلاً، زمن الطيبين، كان النهار معاشاً والليل سباتاً كما أراد لهما خالقهما، لقد اختلطت الأمور اليوم، ذكرني حظر ليل صلالة هذه الأيام من فترة ما قبل المغرب إلى مابعد الفجر بليالي رمضان الستينيات التي لايكسر سباتها إلا المفلح عبيد  رحمه الله،  الطريف أن بعض المدن التي يطبق فيها الحظر الليلي حالياً كدمشق وغيرها بسبب جائحة كورونا بدأ بعض الشباب فيها يقومون بدور المسحراتي من جديد بين الأحياء.. يا سبحان الله!