آن الأوان لإخراجهم من السجون!

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

Khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يلفني حزن كبيرٌ حينما أقول لست أعلم كيف هو الآن، وكيف يقضي وقته، ولكن ما أعلمه أنَّه نال قدرا كبيرا من التجريح والاستهزاء به والذل والهوان والإهانة والعذاب النفسي والقهر والألم والهموم والأفكار، وتعرض لكل ذلك وهو في حبسه سجينًا، بعدما زُج به في ظروف لم يتوقعها، فهو رجل في أواخر العقد الخامس من عمره ولربما في العقد السادس، والحقيقة أن مثله لا يجب أن يكون في السجن مُطلقًا، لما عرفت عنه بأنه رجل كريم طيب مُثقف، صاحب منجز وطني مقدر، ويعد من جيل الكتاب والأدباء القدامى، ومن الرعيل الذي عاصر النشأة الأولى للنهضة المباركة وما كان قبلها، وله إسهامات يُشكر عليها.

لقد شاء الله تعالى أنه في حقبة زمنية مرت، كنت قريبًا منه وكاتم أسرار مؤسسته، فوجدته يحمل هم الحاضر والمستقبل ومتأثراً بالماضي التليد، وأحببته في الله لما كان يتصف به من صفات عديدة ممتازة قلما نجدها في غيره.

فهو شخصية تتصف بالرزانة والهدوء، يستقرأ المستجدات والمتغيرات برؤية ثاقبة، إلا أنه سقط بدون رغبة منه، ولعلها له خير.

وجدته منذ اليوم الأول الذي قدر الله أن أكون بجانبه، رجلا عملياً وطموحاً مُحباً للحياة والعمل والإنتاج، شغوفا بالتطور والإنجاز، ولا استبعد أن ظل أكثر من ذلك في سجنه، فإنِّه لربما سيموت غمًا وقهرًا وحسرة، يكفيه أنه خسر شريكة حياته وهو في السجن، وخسر قبلها وبعدها كل ما كان يملكه مقابل هفوة أو زلة حطمته وخذلته وأحبطته وأماتته مرات كثيرة. 

تذكرون تلك المقولة التي قالها الرجل الخالد فينا السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وهي أنَّ الرحمة فوق القانون، فالرجل لم يرتكب جريمة قتل، وإذا كان سبب السجن مطالبات مالية، فكان الأولى إيجاد حلول بدلاً من سجنه وسجنهم، ناهيكم أن الرجل ظروفه الصحية والمرضية وكبر سنه، تستدعي الرحمة والشفقة والعفو والصفح والوقوف مجتمعياً معه ومع غيره، وذلك بالدفع عنه وعنهم، وعقب خروجه أو خروجهم، تؤمن له ولهم وظيفة ويستقطع منها للدائنين.

أقول حينما يتكئ المرء على أحداث الماضي وما حمتله من مشاهدات ومعاشرات، يجد غرابة في جوانب حياتية كثيرة، ويجد دهشة فيما كان ويكون وما يحدث من مآسٍ في هذا الكون الفسيح، فإذا كان هذا رجلا ما شاء الله ونال ما نال من الإهانة بسبب مطالبات مالية وتم التخلي عنه وعدم الوقوف معه، فكيف بغيره من الضعفاء والمساكين والبسطاء إن تعرضوا لما تعرض هو له، فلا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تتفقون معي أيها الأحبة أن ما يميزنا نحن أننا مسلمون، وما يميز هذا البلد أنه بلد التسامح والتعاضد والتعاون، فُطر على المروءة والجود والكرم والإحسان.

وأقول إنَّ السجن بسبب المطالبات المالية ليس حلاً أبدًا، فكم من أطفال تشردوا وضاعوا، بسبب وجود والديهم في السجن أو أحدهما، والسبب مطالبات مالية؟

وكم من حالات طلاق حدثت والسبب دخول الزوج السجن بسبب المطالبات المالية؟ وكم من مبالغ هائلة تدفع لمعيشة السجين وأكله وشربه ومستلزمات أخرى؟ ناهيك عن المرأة حينما تطلب الطلاق من زوجها بسبب دخوله السجن بسبب مطالبات مالية؟ فإنها تتجه للحكومة وتطلب أن يدفع لها راتب، وهذا بحد ذاته عبء!

فلم لا تكون هناك حلول كإنشاء جهة تتابع وتدرس أحوال المدِينين، وتجد لهم حلولاً بدلاً من سجنهم، كأن توفر لهم فرص عمل، وإذا لم يتقيد بالحلول عقب ذلك يُسجن.

أقول.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فرفقًا بتلك التي بكت أباها حياً أكثر مما تبكيه ميتاً؛ لأن السجن فرق بينهما فراق حياة لا فراق ممات، فأبناؤه بكوه كأن الموت غيبه، فضربتان في الرأس توجعان، الأولى بسبب سجن أبيهم، والثانية بسبب وفاة أمهم، فيا لها من مصيبة، والغم المجتمع يتفرج فيا الله، فلو دفع الواحد ريالاً لما بقي سجيناً.

نتفق أن ذلك الذي يرتكب جرماً في حق الغير كزهق روحه أو إحداث إصابة بليغة به وبشكل متعمد، يستحق العقوبة لا بأس، ولكن الذي خانه تقدير الأوضاع ودراستها والتدقيق في الحال والأحوال، وهو شخص خدم لسنوات طويلة، ففي تقديري مثله وغيرهم، إن وقعوا يفترض أن ننتشلهم ونقيمهم ونضعهم على الطريق الصحيح، ونعطيهم فرصة أخرى، ونجد لهم حلولاً فورية مناسبة، لا أن نسجنهم.

هناك- وأقصد السجون- فيها من قضى ويقضي سنوات طويلة بسبب مطالبات مالية، هؤلاء علينا أن نرأف بهم وبحالهم وعيالهم وأسرهم، لا أن يكون الحل هو السجن فقط. فمن كان يتوقع أنَّ وباء مثل كورونا سيحل بنا وستتغير الأمور رأساً على عقب، أليس بقراراتنا تسببنا في ضياع أسر، وجلب هذه الأوبئة؟

لا أخفيكم أنه يسوؤني جدا ما تعرض له وغيره بسبب المال، فلا إله إلا الله محمد رسول الله، أيها الأحبة رب العزة والجلال كرَّم الآدمي، أفلا ينبغي أن نكرمه نحن بوجود حلول بدل سجنه، فالمديونون بشر ولهم حقوق، وهناك من مر عليه سنوات طويلة وهو مسجون بسبب المال، وأولاده وزوجته لا يعرف عنهم شيئاً إلا بالهاتف، فهل الهاتف يربي أجيالاً وأطفالا أو يغير من أوضاع أسرة؟

ما حدث معه من الممكن أن يحدث مع غيره من علية القوم، ولكم فيما حدث ويحدث في الأمة لعبرة وموعظة، فإذا نحن لم نتفكر فيه وفي غيره من المديونين الذين يقضون أحكاماً مختلفة بسبب المال، ففي من سنتفكر، وإذا لم يهمنا هم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم وزوجاتهم، فمستقبل من يهمنا، ألم نعلم بأن منهم المرضى والجرحى وذوي الأمراض المزمنة والعاهات والأسقام، ألا يفترض أن نرحم ونلطف ونعطف ونشفق، ونقول عفا الله عما سلف.

أما آن الأوان أن يستريح أؤلئك الذين يقبعون في السجون بسبب المطالبات المالية بقية أعمارهم بين أهليهم وأولادهم وأسرهم، فعمان وأهلها أهل للتفريج عن المعسرين، والمقتدرين والميسورين والأغنياء في هذا البلد ما قصروا ولن يقصروا، فبهم من الشفقة والرحمة ما يجعلهم لا يرضون ببقاء سجين عليه مطالبات مالية، خاصة في هذه الأيام المباركة من هذا الشهر الفضيل.

حقيقة لا خير فينا إن آثرنا المال على سجن وذل وإهانة إنسان أو تجريحه، ولا خير في مال يجعلنا لا نرحم غيرنا ولا نشفق عليه ولا ترق قلوبنا له أياً كنا.

لا خير في مال يجعل قلوبنا قاسية لدرجة عدم التفكر في الآخرين ورحمتهم ومساعدتهم أو الزج بهم في السجون.

أيها الأحبة عزيزي القاريء نعم أنا لست مع المساس بحقوق الآخرين، ولكني ضد التوقف عن التفكير في إيجاد حلول للمدانين، فالزج بهم في السجون ليس حلا أبداً، فالمديونون في النهاية أهلنا ويستحقون وقفة وتقديرا كبيرا ومراعاة.

إنَّ الشهر الفضيل قد انتصف وهذه دعوة مني أن لا نبقي سجيناً بسبب مطالبات مالية، وأكرر بأن السجن ليس حلا أبداً، وإنما الحل هو تشريع جهة تتولى إيجاد حلول للمديون بدل سجنه، منها تشغيله وخصم جزء من راتبه، وإن كان صاحب ضمان اجتماعي كذلك.

الدال على الخير كفاعله، فالذي لا يرضى في ابنه أو نفسه عليه أن لا يرضى في الآخرين، وهذه دنيا تدور اليوم كذا وغدا كذا.

وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، وبسم الله نتوكل عليه ونعقد النية والعزم أن نساعد المديونين بحيث يخرجوا جميعهم من السجون.

تعليق عبر الفيس بوك