البقعة الصفراء

 

بدرية بنت حمد السيابية

في يوم لا أذكر تفاصيله كثيراً ولكن هناك شيءً قد لفت انتباهي مشهد من مشاهد الحياة، الذي رأته عيناي سيظل في مخيلتي، حيثُ كنت في زيارة لإحدى الصديقات في منطقة قريبة منا، وصلتُ وجهتي بسلامة الله، وكانت صديقتي في انتظاري فقد مر وقت طويل لم نرَ بعضنا البعض فجلسنا في حديقة منزلها الجميلة؛ حيثُ الأشجار، والورود، وزقزقة العصافير الجميلة - بعد السلام وتبادلنا الحديث بيننا وكان في حديثها لي شيء من العتاب العفوي وكما تعلمون الآن تم تقليل الزيارات والخروج من المنزل بسبب جائحة كورونا، اللهم أننا نسألك زوال هذا الوباء.

وأثناء تناولي لفنجان القهوة في الحديقة الغناء، إذ لفت انتباهي عصفور جميل، حط على الأرض ليأخذ نصيبه من بعض ما وقع على الحديقة من ثمار أو بعض بقايا طعام سقط سهوا أو لربما يأخذ قسطا من الراحة بعد رحلة طويلة، وظللت أُراقب هذا العصفور وأُردد في نفسي سبحانك ربي ما أعظمك خلقت له جناحين ليطير بهما بعيدا، وريشاً ناعماً يكسو جسمه ليحميه من قسوة الأجواء، ففكرت أن ألمسه قبل أن يطير بعيدا، ويفرد جناحيه الصغيرين ليرفرفا بسلام، فتريثتُ قليلاً، وقررتُ أن أُطيل النظر، وأعجبني منظر العصفور الرائع وهو يخطو بخطواته الواثقة ينتقلُ في أرجاء حديقة صديقتي هنا وهناك طليقاً حراً، بعد بُرهة فرد جناحيهِ ليستعد للطير بحثا لربما يرجع لعشه ويستريح بعد عناء طويل من التعب وطول المسافات، يا له من منظر يسعد خاطري والأجمل ما يُميز هذا العصفور وجود على جناحه الأيسر بقعة صفراء اللون لربما اكتسبها من مكان ما، أو خرج للدنيا هكذا متميزاً عن بقية جنسه.

بعد ساعة من الزمن تخللت الحديث مع صديقتي وبين إعجابي بهذا الطائر الجميل، استاذنت للرحيل من عند صديقتي وودعتني قبل رحيلي بعناق ممزوجاً بكلمات لها تعبير حب الأخوة والصداقة الحقيقية، متمنيه لي السلامة والوصول للمنزل طالبة مني عدم السرعة والتهور في الطريق مبتسمة في وجهي فقلت لها : أنا لا أقود المركبة بسرعة متهورة فضحكت وقالت : أتمنى ذلك فعلا، فأنتِ هادئة فعلاً لو إني لا أعلم عنك شيئا (ضحكت صديقتي وتذكرت بعض المواقف كنا نقوم بها حينذاك).

صعدتُ إلى السيارة وتفاجأت بأنها لا تعمل، وحاولتُ تشغيلها ولكنها خيبت ظني، ففكرت في أمرها كثيراً، ولكن الصدف لها دور في حياتنا اليومية نعيشها وتتعايش معنا، فكان تعطيل السيارة سبب لمشاهدة العصفور مرة ثانية ولكن هذه المرة بمشهد آخر، لم يسعدني المنظر فقد وجدت العصفور ذا البقعة الصفراء يصارع أحد "القطط" فوجد فريسته ليلتهمها دون شفقة ولا رحمة، فلم يعجبني المنظر، فركضت مُسرعة لإنقاذ العصفور، لأعلن الحرب على القط والدفاع عن العصفور الجميل، فهرب القط مسرعاً يعلن هزيمته .

نظر العصفور إليَّ وكأنه يقول لي : شكرا لك، فطار بعيداً محلقاً عبر هذا الكون فحاولتُ تشغيل سيارتي ولله الحمد قد اشتغلت وتوكلت على الله....

أحياناً يرسل الله لنا أشخاصاً في الوقت المناسب لإنقاذنا من بعض المواقف الصعبة ونقول: "جيت في وقتك"، كما أنَّ الصدف تكون أحياناً لها عبرة وموعظة في الحياة، وأنا سعيدة جداً لإنقاذي لهذا العصفور. ربما الصدفة مجرد كلمة تقال بالنسبة للكثيرين ولكنها صدفة مميزة؛ لأنها قد  تغيرنا إلى الأفضل في النهاية نحن من نختار الطريقة التي سنتغير بها ولكن تلك الصدف هي السبب الرئيسي في تفكيرنا بالتغير.

تعليق عبر الفيس بوك