حنين وامتنان

 

تقوى محمد الجراح

عندما نطل على شُرفة الذكريات، نرى الكثير من المواقف التي ظننا أنها ستضيع في حفرة النسيان، وما تكاد تحضر حتى نرحب بها بكل حب ولهفة، مع ابتسامة خفيفة حانية، وهكذا يمر شريط الذكريات أمامنا، وما هي إلا دقائق حتى تبدأ دُموعنا بالانهمار، كشلالات فيكتوريا تندفع دون توقف، بالرغم من جمالها إلا أن شوقنا إليها ومعرفتنا بانعدامِ فرصة عودتها هو ما يجعل أعيننا تنغمر بفيض من الدموع.

وكم من أماكن وروائح وموسيقى ربطتها قلوبنا بأشخاص، ترفرف أرواحنا عند سماعها، كذلك يشعر المُغترب عند رؤية ما يذكره ببلده، نسيم القرية العليل، رائحة المخابز صباحًا، حاراتها التي تعج بأصوات الأطفال يلعبون كرة القدم في السابعة صباحاً. خروج الرجال البسطاء يطلبون رزقهم بما أحل الله لهم، صوت الأم في المنزل تنادي: هيا الفطور جاهز، آه الفطور.. كم هو لذيذ ومميز.

في صدد وجود مشاعر الشوق والحنين، يوجد أيضاً الكثير من الامتنان لبلدي الثاني، كم أُكن له الحب والشكر، طبيعته التي تسحرني كل مرة، مدارسه التي ستظل محفورة في ذاكرتي، أُناسه الذين - لولا الله - ثم هم لما وصلتُ لما أنا عليه، تعلمتُ كثيراً من وجودي هنا ولا أتخيل كيف سيكون ذلك اليوم الذي أودعه! أَيمكن أن يتعلق وجدان الإنسان ببلد ثانٍ؟، أجيب مُتيقنةً: نعم بل ويبكي شوقاً إليه كطفل يتيم مشتاق لأحد أبويه.

كثيرا ما سُئلت أيهما تحبين أكثر من بين البلدين! ولعله أصعب سؤال قد يُصادفني في اختبار الكيمياء، فأجيب اليوم أيضاً: هما وطنان مُخلدان في وجداني إلى يوم يبعثون.

وكما تترنم فيروز: "وبعدا الشمس بتبكي على الباب وما تحكي.. يحكي هوا بلادي.. خدني خدني خدني على بلادي".

تعليق عبر الفيس بوك