تعظيم دور سفارات السلطنة

 

خلفان الطوقي

 

كتبت مقالة قبل خمسة أعوام بعنوان "السياسة العُمانية والاقتصاد" عن أهمية تفعيل دور سفارات السلطنة في الخارج لأهداف اقتصادية، وكيفية الاستفادة القصوى من علاقات السلطنة الممتازة مع جميع دول العالم، وأجدني اليوم متحمساً أن أكتب مقالة أخرى تخص الموضوع نفسه، خاصة بعد تصريح معالي الوزير المتقاعد يوسف بن علوي المسؤول عن الشؤون الخارجية السابق، حينما أشار في حواره التلفزيوني  قبل أيام قليلة في برنامج "ليل مسقط" إلى إن التوجيه السلطاني الأول من السلطان هيثم بن طارق- أيده الله وأعزه- إلى ضرورة تعظيم دور سفارات السلطنة في الخارج لأجل جذب مزيدٍ من الاستثمارات الخارجية ورجال الأعمال إلى السلطنة، وكان ذلك التوجيه السامي من اليوم الأول.

هناك خطوات عملية تمَّت، وأهمها التعاون المشترك بين وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة الخارجية، وإقامتهم للقاءات المرئية المكررة مع رؤساء البعثات في سفاراتنا حول العالم، وآخرها اللقاء الثالث الذي أقيم قبل عدة أيام، أضف إلى ذلك إقرار الحكومة من خلال وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لبرنامج جلب الاستثمارات الخاصة للسلطنة، ومساندة الصادرات العمانية للتصدير إلى الأسواق العالمية، وأيضاً إقرار الوزارة نظام الترخيص التلقائي،  من الواضح أن الخطوات العملية لتفعيل هذا التوجه بدأت، ولا مجال أن تتوقف، فالخيارات المتاحة ليست كثيرة.

دور السفارات العمانية في الخارج لابُد أن يكون نوعيا، ويركز على أبعد من المواضيع السياسية، فالمهام المنوطة سابقاً كانت توثيق العلاقات السياسة مع غيرها من الدول، أما الآن فلابد أن تتغير الأدوار لتصب في مصلحة عمان وأهل عُمان، فمن الآن وصاعدا لابد من جني ثمار ما تم استثماره من السلطنة في حل المشكلات المعقدة بين الدول، ومساعدتهم في إطلاق رعاياهم، ومبادرات السلام التي تمت هنا، واستقبال رعايا بعض الدول لكي تكون محطتهم في السلطنة والاعتناء بهم، وعدم انتقالهم لدول أخرى، وغيرها من مبادرات سياسية ودبلوماسية، وإن كانت إنسانية، ولكنها كانت بأموال طائلة وتضحيات منوعة من الأوقات الطويلة والجهود المنهكة وغيرها من التضحيات واللوجستيات الملموسة وغير الملموسة، وكما يقال في عالم السياسة، لا عمل بدون مقابل، لذلك لابد من تحويل ذلك إلى فوائد ملموسة في صورة اقتصادية كجلب استثمارات ضخمة تصب في عُمان، أو وضع وديعة بدون فائدة في بنوك السلطنة، أو الحصول على تسهيلات إقراضية بفائدة تفضيلية وتنافسية، أو بتسهيل دخول منتجاتنا إلى أسواق هذه الدول، أو دعم شركاتنا العمانية في إعادة إعمار جزء من أي بلد شاركت السلطنة في أي جهود دبلوماسية لصالحها.

الجهود السياسة والدبلوماسية في غاية الأهمية، وعلينا الاعتراف بأن عمان قطعت شوطا طويلا،  في هذا المجال، وأصبحت لها مكانة سياسية مميزة بين الدول، لذلك لابد أن تكون هناك عوائد ملموسة في الجانب الاقتصادي، خاصة في هذا التوقيت الحساس، فالدول أصبحت تفكر في النتائج الملموسة وتسعى إليها بشكل محموم وملحوظ، وتحسب كل شيء والعائد من أي استثمار (RoI).

فعمان الآن بحاجة ماسة وعاجلة لتوسعة وعائها الاقتصادي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تغطيته من خلال الأنشطة التجارية المحلية، فبمجرد استطاعة السلطنة تركيز جهودها في ملف  جذب استثمارات خارجية نوعية ضخمة من خلال سفاراتنا في الخارج، سيكون هناك انفراجا سريعا وحقيقيا لملفات عديدة وأهمها: ملف توليد الوظائف، وملف تقليل تسريح العمالة الوطنية، وملف نمو وازدهار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وملف رفع إيرادات خزينة الدولة من الرسوم الحكومية والضرائب، وملف تطوير منظومة التشريعات والقوانين والإجراءات، وملف السيولة المالية المحلية، والذي سيكون له أثر مباشر في ملفات أخرى هامة، كملف الدين العام، وملف تجويد الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية وباقي الخدمات العامة، وبذلك سوف تستفيد المنظومة بكاملها من دولة ومؤسسات وأفراد.

التحديات أصبحت مُعقدة، وبحاجة إلى كفاءات وطنية مؤهلة تعمل بشكل استثنائي مبتكر داخل وخارج السلطنة، وبحاجة إلى منظومة عمل عصرية، وإن كانت مبادرة تفعيل دور السفارات في غاية الأهمية في شكلها، لكن لابد من تفعيلها في مضمونها، والعمل كفريق عمل موحد، فهي لا تخص جهتين فقط وإن كانتا تقودان المبادرة، بل الواقع أنها تخص باقي الجهات الحكومية الأخرى كوزارة العمل والعدل والشؤون القانونية والنقل والاتصالات والتكنولوجيا وشرطة عُمان السلطانية وبلدية مسقط والمناطق الصناعية والحرة وغيرها من الجهات الحكومية المانحة لتراخيص الأنشطة التجارية، ولابد لهذه الجهات أن تتكامل معها وتسعى لإنجاح المبادرة، ولكي يكتب للمبادرة النجاح المستهدف والنتائج الملموسة، فلابد من تطبيق نطام الحوكمة بشكل علمي رصين، وتقييم كل سفير وسفارة، وما قامت به من جهود ميدانية بكل تجرد وشفافية وبدون أي مجاملات لطرف دون آخر، فعمان في هذه المرحلة تحتاج لمزيدٍ من الجهود النوعية، ولا تحتمل تضييع مزيد من المال والوقت والجهد دون مقابل.