"نووي إيران" وتحقيق السلام

حاتم الطائي

"المفاوضات النووية" حجر الزاوية في تحقيق السلام بالشرق الأوسط

ينبغي استثمار الرغبة الصادقة في تعزيز الاستقرار الإقليمي للالتفات نحو التنمية

أزمة كورونا تفرض على الجميع السعي الحثيث لتبني نهج السلام والبناء

 

طاقة أمل تجلَّت في سماء السلام الإقليمي مع استئناف المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية، والتي انطلقت قبل أيامٍ في فيينا، وسبقتها بكل تأكيد ترتيبات مُعلنة وغير مُعلنة، عبَّدت الطريق لمسار التفاوض الحالي الذي دشنه المفاوضون الإيرانيون مع نظرائهم من القوى العالمية، على الرغم من بعض الأحداث التي جعلت البعض يتخوف من مغبة انهيار المُباحثات النووية قبيل انطلاقها بأيام وربما ساعات!

ما يعكس أهمية هذه المفاوضات النووية أنها تمثل حجر الزاوية في تحقيق جانب كبير من السلام في الشرق الأوسط، فخلال العقود الماضية كان الحديث عن السلام في إقليمنا وثيق الصلة بالقضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، لكن مع زيادة منسوب التوتر في المنطقة وتشعب القضايا وتفرع الصراعات وتحول الصراع في الإقليم إلى ما يشبه الشبكة الأخطبوطية، أذرع مُتعددة من عقل واحد ومُدبر وحيد، يبدو أنَّه لا يُريد لهذه المنطقة أن تنعم بالرخاء والازدهار؛ بل يريدها دائماً في حالة من الصراع المستمر واللانهائي. هذا العقل المُدبر هو الذي أفزع الخليج بأكلمه قبل نحو عامين، وتحديداً قبل صيف 2019، عندما تزامنت عمليات هجومية على ناقلات نفط في الخليج، أعادت للأذهان "حرب ناقلات النفط" التي نشبت إبان الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى)، فاستنفرت القوى الإقليمية وبلغ الأمر أن احتشدت سفن عسكرية مهيبة، وتحولت المنطقة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، لكن الأمور عادت إلى نصابها الطبيعي بفضل حكمة قادة المنطقة وقدرتهم على ضبط الأعصاب، وفرض الهدوء مهما بلغت درجة الاستفزاز.

الواقع الآن يُشير بوضوح إلى رغبة حقيقية وتحركات صادقة نحو تهدئة طويلة الأمد، فالبتوازي مع المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى العالمية، انطلق لأوَّل مرة منذ أكثر من 4 سنوات أول لقاء مُباشر بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين، في مسعى لإعادة العلاقات بين دولتين تمثلان ثقلا إقليميا، سواء من الناحية السياسية، خاصة فيما يتعلق بالحرب في اليمن، أو اقتصادياً، من خلال دورهما في تعزيز استقرار سوق النفط العالمية.

ولتأكيد أهمية تحقيق الاستقرار وبسط السلام في المنطقة، يتعين أن نشير إلى شقين بالغي الأهمية؛ الأول ما يرتبط بصناعة السلام في الشرق الأوسط، وحتمية التوصل لتسويات في كل قضايا المنطقة، وكل تعني عدم إغفال أي قضية أو إرجائها، أو انتظار لصفقة قرن جديدة، بل ضرورة إحلال السلام الشامل والعادل في شتى بقاع الإقليم. هذا يفرض على قادة المنطقة والعالم أن يسعوا لإنهاء التوتر في شتى البقاع الساخنة، من سوريا شمالا إلى ليبيا غربا، ومن إيران شرقا إلى اليمن جنوباً، فالذي ربما لا يريد الكثيرون الإشارة إليه، أن كل هذه الملفات الملتهبة مرتبطة ببعضها البعض، فالعدو واحد، ومُشعلو النيران يحققون المكاسب وحدهم، فهم أمراء الحروب، الذين يقتاتون على جثث الأبرياء، ويتجرعون كؤوس الدم بخسة، لا يشغلهم صراخ أم في اليمن، ولا عويل طفل غرق أبواه بين أمواج البحر المتلاطمة عندما ظنوا أنهم يستطيعون الفرار من الموت بنيران الحرب في أوطانهم، فماتوا غرقا، وابتعلتهم أحشاء البحر.. من يسعون لتأجيج الصراعات في أي مكان في العالم، لا يستهدفون سوى تحقيق الأرباح، وجني الأموال من مبيعات السلاح، إنهم يُنعشون اقتصاداتهم ببيع الذخيرة والمُعدات الحربية، يزعمون أنها لتحقيق الاستقرار والتوازن العسكري، لكنها في حقيقتها لتدمير العالم، وإبقاء جذوة النار ملتهبة ما إن مرت عليها أي ريح خفيفة إلا أشعلتها وأوقدت النيران فيما حولها.

فكم من ملياراتٍ من الدولارات تُنفق على التسليح في الشرق الأوسط؟ كم من الأموال تُدفع لأمراء الحرب حتى يبقى أتونها متأججًا ملتهبًا؟ الجواب معلوم للجميع، والرد يفهمه القاصي والداني، المتخصص وغير المتخصص؛ فالأطراف الساعية إلى تأجيج الصراعات لا تتوانى عن إفشال أي تحرك لتحقيق السلام وتعزيز الاستقرار، والتخطيط لإحداث التوتر وإبقائه لأطول فترة مُمكنة.

أما الشق الثاني الذي يفرض على كل دول العالم السعي لتحقيق السلام والاستقرار، فهو مرتبط بما يمر به العالم من أسوأ أزمة صحية يشهدها العالم منذ عقود طويلة، وهي جائحة كورونا، التي عصفت- وما زالت- بمعظم دول العالم، ودمرت اقتصادات كانت في يوم من الأيام في مراتب متقدمة، وتحولت الآن إلى الانهيار، ودول أخرى وصلت لمراحل صعبة للغاية بسبب ما آلت إليه الأوضاع الصحية، خاصة في ظل السلالات المتحورة من هذا الفيروس المُدمر. فمن المؤسف أن نرى دولًا تنفق مليارات الدولارات لتضخيم ترسانتها العسكرية، بينما تخصص الفتات لميزانيات الصحة والبحث العلمي، وما يشهده العالم من حرب اللقاحات يُؤكد سوء توزيع الثروات على مختلف القطاعات. فالحاجة ماسة للغاية لأن تتكاتف الجهود وتتعاضد من أجل توجيه الإنفاق نحو مساراته الصحيحة، فبدلا من إشعال نيران الحروب وتأجيج الصراعات، على القوى العالمية- وخاصة العظمى منها- أن تتعاون في إنتاج اللقاحات وتوزيعها على الدول الأشد احتياجًا، فالإحصائيات المتعلقة بوفيات فيروس كورونا ليست مجرد أرقام؛ بل هي أرواح تصعد إلى بارئها، وأسر تُفجع في مصابها، وعائلات يغيب عنها عائلها، فأي دمار حلَّ بالبشرية أسوأ من هذا الفيروس؟

إن كل ما سبق يستدعي الإسراع فورًا للتعجيل بإحلال السلام الشامل والعادل في كل أنحاء المنطقة، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط المليئة بالكثير من الخيرات الطبيعية والخبرات البشرية الهائلة، وأيضاً في مناطق وبؤر التوتر والصراع في أفريقيا وشرق آسيا والقوقاز وأوروبا الشرقية.. على قادة العالم أن يتحدوا من أجل رفع المُعاناة عن الشعوب التي تئن تحت وطأة هذا الفيروس، وغيره من الفيروسات التي أصابت البشرية، فيروس الفساد، فيروس التواطؤ، فيروس انعدام الضمير، فيروس الإهمال، فيروس التراخي في العمل، فيروس الجهل، فيروسات الفقر، وغيرها الكثير.

آن الأوان أن يقف العالم ليواجه تحدياته ومشكلاته، وأن يبرهن ضرورة أن يحل السلام في كل بقاع الأرض، وإلا فنحن مقبلون على ما هو أسوأ على الإنسان، وأزمة كورونا أثبتت أنَّه لا ناجٍ من الخطر، وأن الوباء وصل إلى كل نقطة على كوكب الأرض، فليتحد الجميع من أجل السلام والاستقرار، فالخير العميم لا يتأتى إلا باتحاد السواعد والطاقات.