عالج نفسك بالصيام

أنيسة الهوتية

لو عرف الإنسانُ فوائد الصيام لصامَ الدهر كله، وتلك الفوائد لا تعد ولا تحصى، ولكن لرُبما نستطيع وضع بعض الضوء على أبسطها؛ مثل: فاعليته في علاج الأمراض النفسية والعضوية، وكذلك إضفاء لمسات اللياقة والرشاقة المطلوبة لكل إنسان في كل زمان، وترك بعض العادات السيئة.

الإنسان الصائم صوماً خاشعاً قانعاً يكون على اتصال روحي دائم بربه وخالقه، فتراه مُستقراً ثابتاً لا يتزعزع أمام مواقف الحياة والصدمات، يتأثر ولكن لا يبالغ نفسيا في حالات الحزن، والقلق، والانزعاج، والغضب، والضيق، والاكتئاب، لإيمانه التام بأن الله معه وكل ما يحصل له وحوله يحصل بأمر الله، ولا اعتراض على أمرهِ سُبحانه.

والاكتئاب لونٌ من ألوان الحزن، والحزن لا يأتي فقط من الحرمان والفقدان، لكنه يأتي كذلك من حالات نفسية أخرى؛ مثل: الحسد، الحقد، الغيرة، الكره، وأحياناً من إعلاء سقف التوقعات، وزيادة جدول الرغبات والأمنيات، وهو من أسوأ الابتلاءات النفسية التي من الممكن أن يقع فيها الإنسان، وأقوى مراحلها تكون حين تتشابه أعراضه مع أعراض هلوسات "الفيل الأزرق" الذي هو نوع من أنواع الحبوب المعالِجَة المحتوية على مادة "دي.إم.تي"، التي يفرزها عقل الإنسان قبل موته. وعلى غراره أصبح مصطلح "الفيل في الغرفة" تعبيراً مجازياً لحالات منها الإصابة بالاكتئاب! وبما أن الصيام حالة "ريستارت" لأعضاء الجسم وإراحتها من مهامها اليومية المجهدة، فإنه يساعدها على منع إفراز الهرمونات المسببة للتوتر، والقلق، والاكتئاب...وغيرها بسبب التشغيل الدائم والمستمر لتلك الأعضاء، وتلقائيًّا عندما لا تكون هناك إفرازات هرمونية ضارة من أعضاء الجسم للجسم، فإن الجسم يكون سليماً. وكذلك دماغ الصائم عندما يفكر في احتياجاته الأولية من طعام وشراب، وإكمال العبادات لقبول صيامه، فبهذا هو ينشغل عن الأفكار الأخرى التي تقوده إلى ما تمَّ ذكره آنفاً.

والراحة النفسية المصحوبة مع الصيام طاقة إيجابية تكافح مُختلف أنواع الآفات الموجودة بجسم الإنسان، ولا يختلف اثنان على حقيقة أنَّ الإنسان كثير الصيام دائماً يكونُ قليل المرض، إلا ما شاء الله. فالصيام مؤدِّبٌ للنفس الإنسانية، ومروِّضٌ لها حتى يبتعد عن حالات النهم التي يعيشها من أكل وشرب وغيره مما تشتهيه نفسه وتُمليه عليه وتتحكم به. وكذلك هو مُطَهرٌ بنظام "فلترة" متكاملة متكافئة لكامل الأعضاء يستخرج منها السموم والبقايا المتكدسة من دهون، واحتباسات مائية، ويمتص المسببات المرضية المختلفة التي لربما تتزايد مع عدم إراحة الجسم وأعضائه من المهام اليومية، أي أنَّ رمضان يعتبر إجازة سنوية لها.

وطبعاً الجسم المقل من الطعام والشراب، اللياقة والرشاقة تكون مُرافقاً دائماً معه، وكما قال الحبيب المصطفى: "ما مَلأَ آدمَيٌ وِعاءً شَراً مِن بِطنهِ، حَسبُ ابنِ آدَمَ لُقَيماتٍ يَقِمنَ صلبهُ، فإن غلبتهُ نفسهُ فثُلثٌ لطعامهِ، وثُلثٌ لشرابهِ، وثُلثٌ لِنفَسَهِ". وقال رب العزة جَل وعلا في سورة الأعراف الآية 31: "وَكُلوا وأشرَبُوا وَلا تُسرِفوا إِنَهُ لاَ يُحِبُ المُسرفينَ" صدق الله العظيم. والصيام علاج للإنسان المُصاب بشراهة ونهم الطعام، وكذلك مختلف أنواع الشراهات والعادات السيئة كالتدخين، وإدمان المنبِّهات كالقهوة والشاي...وغيرها الكثير من أنواع الإدمان المختلفة، كإدمان التسوق، والتبرُّج، و"الدوارة" في المطاعم والكافيهات، و"الحش"، والغيبة، والنميمة، والكذب، وأيضاً إدمان التبصير عند الدجالين وطلب "الحروز" والسحر، و"العَمل"، والأخيرة ليست فقط مُفطِرة للصوم بل طاردة من رحمة الله، والعامل بها جاهلٌ أن ما طلبه من تفريق، وتحريم، وأذية لغيره تم بقوة الله اختباراً له وسيرتدُ عليهِ أيما شاء الله، وليس لقوة ساحر أو ماردٍ أو جَان. أما الآخرُ، فسيغنيه اللهُ على صبره وبلائه في الدنيا والآخرة.. وعالجوا أنفسكم وأمراضكم بالصيام.