فهو فرصة سانحة للتغيير

خليفة بن عبيد المشايخي

Khalifaalmashayiki@gmail.com

 

كثيرًا ما كان يحدث في بعض المواقف الحياتية تحول وتغير كامل تجاه الخالق تبارك وتعالى، وكثيرا ما كان هذا الشهر الفضيل تتحقق من خلاله علاقة طيبة بين العبد وربه، وفي هذا العصر الذي باتت فيه أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تئن بكثرة مما يحدث فيها، نجد أنَّ وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، وما تسُوقه لنا من خلال الهاتف وغيره، شيء دمَّر ويدمِّر البيوت، وخرَّب الأسر وأضاع القيم، وأذهب النعم، فهذا الجهاز -أي الهاتف- الذي فوائده كثيرة استغل من البعض فيما لا يرضي الله مطلقا، فأضحت نتائجه واضحه وبوائقه ناضحه، إذ إنه كشف ما كان الله قبله ساترًا.

 فاليوم.. وبسبب ما يعرض فيه، بانت فتن عظيمة وحدثت مشاكل سقيمة، فهذا هو الزمان الذي ما سيأتي بعده شر منه.

إنَّ ما تسوقه لنا اليوم وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي أيُّها الأحبة التي انجرف وراءها الكثرون بلا حسيب ولا رقيب، وبطريقة ذهبت بالحياء والأخلاق والمروءة والعفة والشرف، لأمرٌ يبعث على الحزن والأسف والتدبر والتأمل؛ فالغيرة فقدت، والحياء اختفى، وصار التسابق والتنافس في تلك الوسائل على إبراز ما أمر الله بستره وإخفائه، وإظهار المفاتن والتزين لغير ما أحل الله على أشده، وأضحى ذلك هو السائد والعام في السوشيال ميديا، في انتهاك واضح وصارخ لحدود الله وأوامره ونواهيه.

إنَّ المجتمع العماني أيها الأحبة، عرف منذ القدم بأنه مجتمع محافظ متماسك، يغلب على أهله التدين والتواضع لله والتناصح فيه، وبإذن الله سيبقى كذلك.

إنَّ الهاتف وما يُنشر ويُعرض ويُروج فيه، أدى لحدوث مشاكل عديدة، منها مثلا البعد عن الله والتقصير في حقه، والتهاون في أداء الصلوات وإهمال القرآن الكريم بعدم قراءته وتدبره، وإضاعة الوقت عليه، نتج عنه انحلال في الأخلاق والآداب العامة، وغياب الحشمة والخوف من الله، وازدياد حالات الطلاق وخراب البيوت والتسيُّب والضياع، لا سيما الانشغال به عن تربية الأولاد والاهتمام بهم، وبمن هم في البيت إجمالا.

وبالتالي؛ فإن استمرار الحال على ما هي عليه، سيحمِّل المجتمع والحكومات أعباء مضاعفة، ونفقات كثيرة وأموالا طائلة، كان من الممكن أن توجه إلى تحسين معيشة الفقراء ومداخيلهم، وإصلاح أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وكل ما يجلب لهم المنفعة، ويدفع عنهم الضُّر، وما هو أهم وأفضل للمواطن.

إنَّ ربنا جل وجلاله يقول: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، فحتى يغيرنا الله جل جلاله، علينا أحبابي في الله أن ننظر إلى هذا "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي".... أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وهذا الشهر الفضيل المبارك أيها الأحبة فرصة لننظر إلى أحوالنا وحالنا، ونقيِّم أنفسنا كم نسبة وجود كتاب الله وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في حياتنا، وتطبيقاتهما والعمل بهما على أرض الواقع.

أيُّها الأخوة الأحباب، تعلمون أنَّ النار من مستصغر الشرر، ولو تركنا الحبل على غاربه لساءت الأمور أكثر مما هي عليه الحال الآن، ولفسدَت البيوت ومن فِيهن، ويا لَيْت بفسادها سنستريح في الدنيا والآخرة، لكنَّ بفسادها ستكون أولى النتائج في الدنيا هي الخزي والعار، وفي الآخرة الوقوف أمام الله ليسألنا عمَّا ضيعناه من ولد ونحوه، وما غفلنا عنهم مثلما غفلت بنا أنفسنا عن الله.

وقد يتساءل المرء كيف أُصلِح ما فسد مني ومن هم تحت إمرتي ومن أنا مسؤول عنهم؟ وقد يتبادر إليه سؤال: كيف السبيل إلى ذلك؟ وماذا أفعل وأعمل؟ وهنا أوردُ قوله سبحانه وتعالى الذي تفضل به علينا في كتابه الحكيم: "واستعينوا بالصبر والصلاة"؛ أي كل أمر نريده ونتمناه ويحدث لنا ومعنا، مُباشرة أول ما يجب أن نفكر فيه ونعمله، هو الاستعانة بالله واللجوء إليه، من خلال الصلاة وقراءة القرآن، والسعي إلى الجلوس في بيئات الإيمان والمداومة عليها، والابتعاد عن الصحبة الفاسدة، والبيئات التي لا تُعِيننا على التقرب لله والاختلاء به جل جلاله، وشهر رمضان فرصة سانحة لنحقق ذلك.

فعن الذنب وعدم الإتيان به، يجب أن نستعين بالصبر والصلاة وما تقدم ذكره، وعلى الصوم ومختلف الطاعات نستعين بالصبر، فمشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابها، ولذة المعاصي تذهب ويبقى عقابها.

أيُّها الأعزاء..، أبو العلاء المعري قال: "وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا.. عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ

وَما دانَ الفَتى بِحِجىً...

وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ".

إنه ليس بخافٍ على كل ذي عقل أنَّ صلاح الأمة وفسادها يبدأ من الإنسان الذي تمرد عليه الكون نتيجة أفعاله؛ إذ قالت عنه الأرض لرب الأرض إئذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شُكرك، وقالت عنه السماء لرب السماء: يا ربِ إئذن لي أن أسقط كِسَفًا على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك؛ فالحق تبارك وتعالى يقول: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ". وقال ربنا جل جلاله أيضا: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، وقوله سبحانه: "ومَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ"، وقال سبحانه وتعالى: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ".

فالآيات التي تقدم ذكرها تُحفِّزنا على مراجعة أنفسنا ومحاسبتها قبل أن نحاسب، وأن نزن أعمالنا قبل أن تُوزن علينا، خاصة في هذه الأيام المباركة؛ فاليوم بمقُدورنا فعل ذلك، وغدا سنتحسر وسنتحسف لأننا لم نفعل ذلك.

... إنَّ كلَّ شيء في هذه الحياة الدنيا يحتاج مجاهدة وحركة وتعبا وجهدا، وعلينا أيضا أن ننأى بأنفسنا إلى ما يرضي الله، ولنعلم أن ذنبًا على ذنب، وذنبًا فوق ذنب تتكون سيئات، والسيئات يذهبن بالحسنات، فاللهم وفقنا لصيام هذا الشهر وقيامه، وأن نكون بعده أفضل مما كنا قبله وفيه.. تقبل الله صيامكم وقيامكم وصالحات أعمالكم.. آمين يا رب العالمين.

تعليق عبر الفيس بوك