لماذا المثقف القانوني؟

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

dhafer.alharthy@hotmail.com

"ماذا ينقصنا حتى نشاهد حِراكًا ثقافيًّا قانونيًّا في مجتمعنا؟!".. هذا هو أحد التساؤلات التي تكررت في ذهني، كلما نشاهد مستوى إلمام مجتمع معين بالثقافة القانونية، ولا شك أنني بصراحة أغبطهم على ذلك، راجيا فيما لو كان باستطاعتنا فعل شيءٍ حيال ذلك، على اعتبار المردود الفكري الأخلاقي والمردود المادي السلوكي الذي سوف يحصده ذلك المجتمع، فضلًا عن الحرص الذي سوف يتسيد المشهد القانوني من أجل تطبيق أفضل الممارسات، والذي بدوره سينعكس إيجابًا داخل إقليم الدولة وخارجها.

يُقال إنَّه لطالما أنَّ صراع الشر والخير قائم؛ فكلُّ أمرٍ يتميَّز بكونه سلاحًا ذا حدين، أي أنَّه لا يخلو من الإيجابيات والسلبيات، إلا أنَّ مدى تحقُّق أحدهما كنتيجة يعتمد على الفهم السليم والتطبيق الرشيد، وهذا الأمر ينطبق كذلك عندما نُدرك جوهر القانون، فإما يقودنا الوعي الوهمي لإرهاق الدولة بالقضايا الكيدية المستندة إلى تمسكنا بحق التقاضي، والنظرة الخبيثة للالتفات عن تطبيق صحيح القانون وتحقيق العدل، أو إما أن نكون شركاء في إرساء العدالة والقانون نتيجةً لحصيلة الوعي الحقيقي؛ وللوهلة الأولى وبالرغم من منطقية الطرح، إلا أنه قد تبدو هذه الفكرة عميقة بعيدة عن الواقع، ولكن ما إنْ راقبنا بعض الممارسات التي تتعارض مع ميثاق وقيم نظرية القانون (هذه الممارسات قد تشمل -على سبيل المثال- عدم تبيننا لحقيقة ما يطرح، أو استسقائنا من مصادر مشكوكة، أو لربما في إرادة البعض منا لتحقيق أغراض ومصالح خاصة تضر بالآخرين)؛ بحيث أننا سنتأكد حينها بأنَّ هذا طرح لا يخرج عن الموضوعية والهدفية.

وفي المقابل، هذا الوعي القانوني لا يتحقق في ليلة وضحاها، بل وفق إستراتيجية ممنهجة معتمدة على دراسات وأبحاث وإحصائيات دقيقة، تشارك من خلالها الجهات الرسمية بالقدر الذي يتناسب مع ما تقدمه من خدمة أو عمل، بدءًا من موظفيها وانتهاء بالجمهور، وكذلك مشاركة المؤسسات التعليمية المتخصصة المعنية؛ نظرا لكونها هي من ترفد المجتمع بالمتخصص القانوني؛ إذا كان واجبا عليها أن تضمن في خطتها  كل السمات الضرورية في طلابها (كالشخصية القانونية، والمسؤولية التوعوية تجاه المجتمع، والانضباط السلوكي، والمهارات والقدرات، والقدرة على إضفاء القيمة للمنظومة من خلال التعليق على الأحكام القضائية على سبيل المثال، أو المشاركة الفعالة في المجتمع والوسط القانوني... وغيرها الكثير من مظاهر الإنتاجية)؛ وعلاوة على ما سبق، لابد من إشراك الأفراد غير المتخصصين في هذه العملية؛ إذ بهم تكتمل منظومة المجتمع القانوني المثقف؛ وذلك من خلال كافة الوسائل الحديثة المواكبة.

لا يُمكننا التغافل عن دور القطاع الخاص بشكل عام، والمتمثل في الجمعيات أو الشركات والمؤسسات... وغيرها، على مايبذلوه من مشاركات توعوية مثرية، وإسهامات قانونية قيمة، إلا أنَّه لا يُمكننا أن نلمس نتائج حقيقية ما إن غردت وحيدة، على أنْ لا يفهم من ذلك عدم مشروعية التفرد أو الابتكار، ولكن القصد أنَّه بالتكامل مع باقي الجهات، حتمًا سيكون الصدى أكبر. إنَّ الإثراء القانوني ليس له حدود، والتبحُّر في فلك القانون لا ينتهي؛ وذلك على اعتبار أنَّ القانون والإنسان متلازمان، ثم إنَّ علم القانون ليس فقط ضروريَّ الوجود، بل يجب عليه أن يتضمن عنصر التجديد والمواكبة لكل التحديثات الواقعة في المجتمع نتيجة التقدم.

ومن خلال ما سبق طرحه، أتصور أن القارئ والقارئة قد وصلوا لاستنتاج ولخلاصة تجيب عن السؤال المطروح الوارد في بداية المقال، ولأن القانون لا يتعلق بتخصص الفرد ولا يتعلق بصفات الناس وحسب، بل الكافة بدون استثناء، ولأنه متوغِّل في حياة كل فرد فينا وفي كل مجالات الحياة، أتوقَّع أنَّ كلًّا منا بإمكانه القيام بشيء تجاه هذا التساؤل بعد إيمانه بأهمية الطرح من خلال تلك الإجابة التي وصل لها؛ فدائمًا وأبدا خير بداية للتغيير تكون من خلال ذواتنا، يقول المولى عز وجل في محكم كتابه: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" صدق الله العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك