المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2021

مسلم سعيد مسن

"إسراع العمل نحو خطة 2030.. ما بعد كوفيد 19"

تابعنا مجريات المنتدى الافتراضي الذي نظَّمته الإسكوا في الفترة من 29 إلى 31 مارس 2021، وذلك بالتعاون مع جامعة الدول العربية وأطراف أممية أخرى، ويعدُّ هذا المنتدى آلية إقليمية لمتابعة تنفيذ خطة التنمية المستدامة للعام 2030م في المنطقة العربية؛ تمهيدا لعرض النتائج على المنتدى السياسي الأممي الرفيع، الذي يعقد سنويا في نيويورك.

ورغَم التحديات الجمة التي تواجه تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الـ17 المخطط تحقيقها في 2030 من حيث إحراز تقدم فارق للمنطقة العربية، إلَّا أنَّ جائحة كورونا ضاعفت من تلك التحديات وضاعفت من مهمة البرامج والخطط والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أصلا تعاني قبل حلول الجائحة؛ الأمر الذي جعل الموضوع المحوري للمنتدى هو "إسراع العمل نحو خطة 2030.. ما بعد كوفيد 19". وعقدت جلسات عديدة عامة ومتخصصة لا يتسع المجال لتتبع كل مداولات ونقاشات تلك الجلسات، ولكن أكثر ما استقطب اهتمامي الجلسة العامة المتعلقة بتمويل التنمية: ما المطلوب والممكن في المنطقة العربية لتحقيق خطة 2030؟! ومما لا شك فيه -ومن خلال الورقة الخلفية لهذه الجلسة التي هي من إعداد الإسكوا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي- فقد ضربت جائحة "كوفيد 19" المنطقة العربية، وأثرت بشكل بالغ في الموازين المالية والخارجية وعلى معدلات العجز السنوي والدين العام، وفقدت أسواق المال العربية ما يقارب ربع رساميلها في غضون ثلاثة أشهر من تفشي الجائحة.

دارتْ نِقاشات مُتنوعة حول سبل تجديد أدوات تمويل التنمية بما يتواكب مع تحديات الجائحة الحالية وحتى ما بعد الجائحة وإحداث تغيير في السياسات التمويلية على مستوى المنطقة العربية أولا وعلى مستوى كل قطر عربي بالدرجة الثانية؛ فالفضاءات المالية للمنطقة تعاني من مشاكل قبل الجائحة وقد تعمقت وضاقت كثيرا تلك الفضاءات وأنهكتها المديونيات، بالأخص خدمة الدين في أوقات صعبة وباشتراطات ونسب تمويل مهلكة ومنهكة للاقتصاد وللحرث والنسل، فما كان يوصم به الحيز المالي في وقتها أشبه بالفسحة المالية في أوقات الجائحة لو أنه توفر وبقي، لكنه أصبح بعيد المنال في حقيقة الأمر. وتنوعت نقاشات الجلسة بين ما هو واقعي يمس تحديات التمويل وبين ما يقترب من وصفات علاجية (روشتات) عصية التحقيق على المديين المتوسط والبعيد في المنطقة العربية. فالمداولات الخاصة بـ"عمليات مبادلة الديون" وبالأخص مبادلة خدمة الدين كثيرا ما تتكرر، وهنا أوضحت الجلسة أنَّ هذا الخيار التمويلي يواجه صعوبات؛ فقد تغيرت كثيرا هياكل الديون الدولية؛ فلم تعد تلك الديون بين الدول المنتمية لرابطة أو نادٍ -نادي باريس مثلا- أو مجموعة، بل إنَّ معظم الممولين هم من القطاع الخاص (من حاملي السندات الدولية)؛ الأمر الذي يصعِّب من عمليات التفاوض لإنجاز هذه الآلية، مع توافر بعض المبادرات في هذا الشأن التي ما زالت تتلمس الطريق من قبل بعض المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، لكنها تستهدف الدول الأقل نموا، وقد لا تستفيد الدول العربية منها كثيرا، وتبقى تلك الآلية من توصيات تلك الجلسة، وربما من خلال آلية ترتبط ببرامج المناخ والاستثمار البيئي الأخضر المطلوب تنفيذ أهدافه من قبل الدول لتيسير عمليات المبادلة.

تطرَّقت الجلسة إلى موضوع آخر مهم، وهو أن المعالجات الوطنية لتمويل التنمية هي نقطة الانطلاقة قبل التفكير في وسائل وأدوات التمويل الخارجية؛ وذلك من خلال إعادة صياغة الميزانيات العامة السنوية بما يتواءم مع أهداف التنمية المستدامة وتحديد الأولويات منذ البداية وحشد الموارد ورفع كفاءة الإيرادات وتقليل النفقات غير المرتبطة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ لأن ذلك قد يعمل على تدبير نسبة كبيرة من التمويل من خلال ترجيح أولوية دون أخرى وتعزيز تنفيذ هدف متأخر دون آخر أصبحت عمليات الإنجاز به متقدمة نوعا ما. لذا؛ فمن المناسب جدا لدول المنطقة العربية أن تبدأ بالربط الضروري بين مشروعات الميزانيات وأهداف التنمية المستدامة ومن ثم تبحث عن الفجوة المتبقية من جهات التمويل الخارجية، لا أن تعتمد ميزانياتها بشكل منفرد دون خطة التنمية المستدامة، ومن ثم تفكر في كيفية توفير التمويل لتلك الخطة بعيدا عن أجندتها المحلية، وهذا ما يحصل في مجمل الحالات والتجارب.

كما تناولتْ الجلسة أهميَّة توفير الحوافز المناسبة للشركات وحشد الاستثمارات الخاصة (المحلية والأجنبية) كأداة مهمة لتعزيز الفضاء المالي المتأثر بالجائحة، رغم أنَّ هذه الأداة تواجه صعوبات؛ حيث إنَّ معظم العالم لا يزال يعاني، غير أنَّ البناء من الآن لأطر جاذبة وشفافة يؤسس لجذب تمويل في هذا الجانب على المدى المتوسط والبعيد.

وأخذت الجلسة حيزا من النقاش، تكرر كثيرا حول الإفصاح والشفافية والتدفقات المالية غير المشروعة الخارجة من المنطقة العربية للملاذات الضريبية العالمية وتطوير نظم الضرائب...وغيرها من الموضوعات التي تحتاج سياسات تنظيمية وتنسيقية فاعلة بين دول المنطقة العربية وبقية المجموعات الاقتصادية العالمية.

عموما.. كانت مُتابعة هذه الجلسة مفيدة وممتعة بالنسبة لي على المستوى الشخصي وأعتقد أنها تشكل فائدة عامة لكل دول المنطقة العربية من جوانب عديدة؛ أهمها: إعادة النظر إلى تمويل التنمية من خلال بوصلة الإطار الوطني، مرورا بالأجندة الأممية للتنمية المستدامة وأهمية تحقيق الربط المطلوب، والتفكير في أطر تنظيمية أكثر جاذبية ومرونة للاستثمارات على المديين المتوسط والبعيد بالأخص التمويل الأخضر الذكي القائم على استدامة البيئة والمناخ، سد الفجوة التمويلية -الشق الرأسمالي- عبر خطة متوسطة المدى تكون جزءًا من الخطة العامة للتعافي توجه للقطاعات التي بالغت الجائحة كثيرا في تعرية أوجه خدماتها وبنيتها ومؤسساتها، ومن تلك القطاعات: الصحة والتعليم والأمن الغذائي والتقنية والاتصالات.