صدمات الوصول

 

رجاء البوعلي *

* كاتبة سعودية

 

عندما كُنت طفلة كانت أختي الكبرى تصحبني معها إلى الجامعة، كنت أنظر لازدحام الطالبات في الممرات والقاعات وأقول في نفسي: الله! متى أصير كبيرة في الجامعة؟ كان حُلمي يأخذني بتصورات منطقية مفادها: أن الجامعة للكِبار فقط! لكن الصدمة حدثت فور وصولي للجامعة، رُحت أفتش عن الكِبار لعلي أجد منهم بعد جهدٍ جهيد. وجدت نفسي في مساحة مليئة بالكِبار المُفترض منهم أفكارًا وسلوكًا وممارسات معينة تتناسب مع مستواهم العلمي والعمري، ولكن تجربة الوصول صدمتني! فماذا عنك؟

قد يخالطك طموح بالتقدم والترقي فتبذل الكثير من أجل كسب الرهان، وما إن تصل لمنطقة الحسم، حتى تُفاجأ بأن البيئة أقل مما كُنت تعتقد، وأن " الكِبار" كلمة حمَّالة أوجه؛ فهناك كِبار العمر، كِبار المناصب، كِبار القيم والأفعال، كِبار الأخلاق، كِبار الفاسدين، كِبار المصلحين، كِبار المتطوعين، كِبار العطاء، كِبار المخربين، كِبار المتبرعين وحتى كِبار السارقين.. فتضيع وجهتك ويصطدم حلمك بين نيل الطموح والاندماج في جماعة "الكبار" أو استدراك الخُطى والعودة؛ حيث "الكِبار" الذين تنتمي إليهم لا يعبرون هذا المسار وعادةً يتوقفون هنا.. فأين موضوع التحدي؟

ليست مستويات التفكير للناس متشابهة وربما ليست متقاربة أيضًا، كذلك للبيئات التربوية والاجتماعية أثر ثقافي كبير على الفرد، وبالتالي ينشأ التباين في التفاعل مع المناطق الجديدة. ما وجدته ظاهرًا هو توحيد المظاهر الشكلية والكلامية واختلاف القيم، مما ينعكس على السلوك وردود الفعل، وبالتالي عند وصولك لمنطقة أعلى قد تُفاجأ بواقع سُكان ورُعاة هذه المنطقة، ولكن السلوك الجمعي سيدفعك للتجاوب والاندماج حتى في الممارسات غير اللائقة، بينما ستأخذك الفردانية والقيم إلى التوقف، وربما الخروج من هذه المنطقة كليًّا.. ببساطة، لأنك مصدوم بما فيها وغير قادر على الاندماج. فلماذا لست قادرًا بينما غيرك قادر؟

حياتنا ممتلئة بالمجالات المتعددة، المسارات الواضحة والمبهمة، المواقف الحاسمة، المناطق الحساسة وفي كل هذه اللحظات الاختيارية الصعبة مطبات دقيقة حائرة تأخذ الفرد لحالة تردد وتساؤل؛ ماذا تختار؟ أن تختار أناك وقيمك فستخسر الجماعة، وأن تختار قيم الجماعة فستخسر قيمك وذاتك، فما رأيك بالانسحاب؟

تعليق عبر الفيس بوك