إنَّه أقبل والحمد لله

خليفة بن عبيد المشايخي

Khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يندر أن لا تجد من لا يتعهد نفسه بالاهتمام الجسدي والصحي على وجه العموم، إلا إذا كان أمرءًا غير سوي، ويستحيل أنْ لا يتصالح آدمي سليم العقل معافى الفكر مع ذاته من أجل صحته وعافيته، إلا من هو بعقله ذهب، فغيبه بعدما وهب من فطرة وإدراك ووعي مما ضر به وما رهب، فصار فاقدا للسمع مع البصيرة وما كسب، فظل وغوى ولم يرعوَ فلا نُصح نفع معه ولا أدب.

ولما كانت الشرائع السماوية تنادي منذ بدء الخليقة بأن الوقاية خير من العلاج، جاء هو مناد به من لدن رب العزة والجلال أنْ "يا أيها الذين آمنوا....."، ومكتوب علينا كما كتب على الذين من قبلنا في قوله تعالى: "كتب عليكم ......" إلى آخر الآية، وبعده لعلكم تتقون، ثم جاء منسوبا له جل وتبارك في علاه: "فإنه لي وأنا أجزي به، كذلك حدث عنه من صار في الورى محمودا صلوات ربي وسلامه عليه، فقال: "صوموا تصحوا، وأنه جنة وحصن حصين من النار".

ولما اقتضى حال العباد المسلمين أن يكونوا مكلفين به في السنة مرة واحدة، كفريضة تؤدَّى على المقتدر منهم صحيًّا كما جاء في قوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، ومن كان مريضا منا أو على سفر "فعدة من أيام أخر"، إلى غير الترغيب في القيام به في الأيام البيض من كل سنة هجرية، وكل اثنين وخميس من كل أسبوع لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا.

فحينما نتأمل في أهميته وهو الصيام الذي خصَّص الله تبارك وتعالى له شهرا كاملا وهو شهر رمضان المبارك: "الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ"، وهو الذي فيه ليلة ذكرها الله تبارك وتعالى بأنها خير من ألف شهر، تتنزل الملائكة والروح فيها، سنجد من المعاني والدلالات والمفاهيم، ما يجعلنا في رُقي نفسي عظيم، وفي سمو إيماني وروحاني عالٍ.

إنَّ الأيام أيُّها الاحبة دورات إلى قيام الساعة، وتجدد شهر رمضان الفضيل فينا وبنا ومعنا ونحن على ما نرُوم به من صحة وعافية وسلامة وخير، نعمة كبرى تستوجب حمدالله حمدا كثيرا، وشكره شكرا كبيرا.

فالذي بلغنا هذه الأيام ونحن بين أهلنا وأولادنا وأحبابنا وأصحابنا وفي أوطاننا بأمن وأمان، حرم منه غيرنا من العباد، كانوا وما زالوا يتمنونه مثلنا في أن يُلاقوه وهم بين أهليهم وأحبتهم منعمين، وفي ديارهم مستقرين آمنين، ولكن هيهات هيهات، ولله في ذلك حكم عديدة، فمن عباد الله من هم في أحوال مختلفة، وأوضاع ليست مؤتلفة، وأوجاع وآلام وهم وغم وأفكار وضيق وقهر، فيا ربي لك الحمد حمدا طيبا مباركا فيه.

شهر رمضان أيها الأعزاء يأتي هذه السنة وقد تغيرت الأحوال بسبب الجائحة، إلا أنَّ تصحيح المسار مع الله تبارك وتعالى، لا يقتصر على أيام العسر والشدة والامتناع عن الطعام والشراب قسرا، والجود والإحسان والصدقات والتفريج عن الناس، لم يجعلها الله تعالى في الأيام المعدودات التي أوضحها رب العزة والجلال في القرآن الكريم، والتي نرجو من الله أن يبلغنا إياها ونحن جميعا بصحة وعافيةً، لا فاقدين ولا مفقودين.

أيُّها الأحبة إنَّ فضائل الصوم وفوائده كثيرة، وهذا الشهر هو تربية لنا ودعوة من الخالق الواحد الأحد أن نستشعر فيه وفي غيره من الأيام الأخر بني جنسنا، هذا الشهر ليس المقصد منه أن تتعدد فيه موائد الطعام، وتكتنز من أجله السفرات بما لذ وطاب.

هذا الشهر هو وصاية وتوجيه إلهي بأن نكون أهل محبة وخير وتعاضد وقرآن وعبادات وإنفاق والتفاف لغيرنا من الضعفاء والمساكين، وممن قست عليهم أيام الله، فصاروا محرومين ومحبوسين، وباتوا مكلومين ومحزونون.

أيُّها الأعزاء، إننا في هذه البقعة من أرض الله، يلفنا شرف من الله بأننا مجتمع رحمة وتراحم، وأهل خير وكرم وتلاحم؛ لذا فلنتقرب منه جل جلاله في هذا الشهر الفضيل، بما يجعله راضيا عنا بعده، وبما يجعلنا رسل سلام ومفاتيح خير فإن شهر رمضان قد أقبل علينا، فلنشمِّر فيه بالحال والمال، لعل الله يغير حالنا إلى ما يحبه ويرضاه.

مُهنِّئا إياكم ومولاي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -أطال الله في عمره- وعموم أفراد الأسرة المالكة الكريمة، وجموع الشعب العُماني الأبي الوفي، وكل مقيم على تراب عُمان، بقدوم الشهر الفضيل، جعله الله شهر خير ويمن وبركة وشفاء من كل داء على الأمتين العربية والإسلامية، وكل عام وأنتم بألف خير، وتقبل الله منا ومنكم فيه وفي غيره من أشهر السنة، الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم آمين.

تعليق عبر الفيس بوك