خسائر تطبيق ضريبة القيمة المضافة (2-2)

ناجي بن جمعة البلوشي

استكمالا لما سبق وتحدثنا عنه، نتساءل: كيف ستتسبب ضريبة القيمة المضافة في خسائر للحكومة؟ الجواب بديهيا: من خلال زيادة كلفة وقيمة المشتريات، فالحكومة والقطاع الخاص والشركات التي بها استثمارات حكومية ستحصل على كل ما تحتاجه من مواد وسلع وخدمات وخامات بقيمة وتكلفة أكبر مما كانت تحصل عليه سابقا قبل تطبيق هذه الضريبة؛ وبالتالي ستدفع ما يقارب 80% من عوائد ضريبة القيمة المضافة  المرجوة، ويبقى السؤال الذي سنطرحه مجددا ونقول: كيف يكون هذا؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بُد من مراجعة رسوم الجمارك على الواردات في الدول الخليجية فإذا كانت الدول الخليجية متفقة علىى تحصيل رسوم 5% من قيمة كل مستورد إلى أراضيها، وهي رسوم جمارك دخول بضائع وسلع كانت تضاف على القيمة الإجمالية للسلعة مع النقل والخدمة والتركيب، ثم هامش الربح للمورد، هذه الرسوم ستكون من الماضي، وستتضاعف على الجيب الحكومي لتدفع بعدها على كل خطوة مبلغا جديدا ليصل إلى 15%  تقريبا؛ كرسوم حصول على بضاعة أو سلعة واحدة، كما أن استحداث مدفوعات جديدة متنوعة للخدمات والسلع المحلية الصنع، والتي كان لا يضاف على سعرها قيمة رسوم الاستيراد 5% سابقا، فاليوم ستدفع 5% رسوم قيمة مضافة، إضافة إلى كل ما يتبعها من نقل وتركيب "خدمات"، رسوم قيمة الضريبة المضافة للسلعة أو الخدمة، ولنعُد إلى فاتورة المنتج المستورد فللتوريد 5% رسوم جمارك، إضافة إلى قيمة خدمات النقل المتكررة، و5% قيمة رسوم الخدمة والتركيب، و5% خدمات أخرى، إضافة إلى رسم ضريبة القيمة المضافة على المنتج المستورد، إضافة إلى هامش الربح في كل مرحلة من هذه المراحل ليكون مكلفا جدا.

سينطبق مثل هذا المثال وبهذه الحلقة من الدفع على كل ما يحتاجه الجيب الحكومي والتركيبة الاقتصادية التي ذكرناها، فإذا كان قد أعلن بداية العام الحالي عن رصد إجمالي مبلغ الإنفاق الاستثماري الحكومي وما يتبعه من قطاعات تابعة للحكومة (محددة) والمقدرة بـ5.1 مليار ريال عماني موزعة بين وزارات ووحدات حكومية مدنية بـ900 مليون ريال، و1.3 مليار ريال نصيب شركة تنمية طاقة عمان، و2.9 مليار ريال استثمارات محلية خاصة بجهاز الاستثمار العماني والشركات التابعة له، فإذا توقفنا للحظة لنقول -وليس أكيدا إلا إذا دققنا في لغة الأرقام والحسابات الدقيقة- إنَّ ما بين 10 إلى 15% من قيمة إجمالي الإنفاق الحكومي المعلن في بداية العام الحالي ستكون حقيقتها زيادة تكلفة في قيمة المشتريات المطلوبة من أثر تطبيق دفع ضريبة القيمة المضافة، والتي كانت الدولة في غنى عن دفعها وجبايتها من الجانب الآخر من ذات الجيب والمحفظة، بأقل بكثير مما حصلت عليه، كما أن هذا الإنفاق سيشكل الرقم الأكبر على الإطلاق في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي؛ لأنه معتمد اعتمادا كليا على الإنفاق الحكومي، وإذا ما صفينا النية وقابلنا الأمور بالنظرة الإيجابية، فنبصر أن في الأمر مراقبة وادارة مالية حريصة على تحصيل الضريبة، والتي يمكن لنا أن نحسبها بدقة من مجرد حساب فواتير القيمة المضافة لدى كل المسجلين في سجلات جهاز الضرائب. لكنها وإن كانت كذلك فإن كلفتها عالية جدا على المال العام، وكان بالإمكان وضع رقم رمزي لضريبة القيمة المضافة يحقق من خلاله ذلك المراد من التسجيل والتقيد والمراقبة، وبه سنتمكن من رفع الإيرادات الاعتيادية من جمارك الاستيراد، مع البقاء على القوة الشرائية والإنفاق الصانع للنمو، كما سنحافظ على نفسية أبناء المجتمع دون تأثر في مقابل مبدأ ردة الفعل والقوة الشرائية والسلوك الإنساني الاقتصادي.

ولأن هذه المعادلة دقيقة جدا، فإنَّ رفع قيمة الضريبة المضافة ستكون مؤثرة تأثيرا حاسما على الاستيراد والجباية المالية من الجمارك؛ وبالتالي ستؤثر على تحصيل ضريبة الدخل من الشركات فتصل الإيرادات المتوقعة من الضرائب والرسوم الجمركية إلى نفس الرقم الحالي أو أقل مع وضع الجيب الحكومي في نفس الموضع قبل تنفيذ هذه الضريبة، فإذا كانت السلطنة تستورد ما قيمته 10 مليارات ريال من السلع في العام الواحد قبل تطبيق أي رقم على ضريبة القيمة المضافة، فإنَّ وارداتها -وبكل تأكيد- ستقل إلى 5 مليارات ريال إذا طبقت 20% قيمة ضريبة مضافة وهو ما يعني قلة أرباح الشركات ليؤدي ذلك إلى قلة ضريبة الدخل عليها. أما الجيب الحكومي، فسيكسب 20% ضريبة مضافة على ما قيمته 5 مليارات ريال، لكنه سيدفع ما قيمته 35-40%  ضريبة قيمة مضافة على أي شيء يحتاجه.

في الوقت نفسه، يُشكل الإنفاق الحكومي (كما عرفته) على المشتريات المستوردة ما نسبة 75-80%، وهذا يعني ما يدفعه الجيب الحكومي لإيرادات تلك الضريبة أكثر بكثير مما يحصل عليه على الأقل في سلطنة عمان، أما في الدول التي يكون القطاع الخاص المستقل فيها هو من يقود دفة الاقتصاد؛ فإنَّ ضريبة القيمة المضافة ستكون حسابتها مختلفة، كما أنَّ الحسابات أيضا مختلفة في البلدان التي تكون فيها نسبة الزائرين والمقيمين من الأجانب "المُنفقين" مرتفعة. لذا؛ فإنَّ هناك من الطرق التي يمكن للدولة أن تتحصل فيها على إيرادات بسيطة من المواطن وبالغة الأهمية للدولة، وقد وضعنا شيئا منها في كتابنا "البلايين المفقودة" الصادر مؤخرا.

حفظ الله عُمان تحت قيادة مولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم.