من قصص "كوفيد 19"

إبراهيم بن سالم الهادي

في لحظة صمت، وهي تتأمَّل الإبرة التي اخترقت وريدها جاءها الطبيب مهرولا: نتيجة فحصك إيجابية بفيروس "كوفيد 19"، وتتضاعف الحمى لديك في الأسبوع القادم، وستكون دقات قلبك سريعة في الأسبوع الذي يليه.

استطرد قائلا: "قرَّرنا تنويمك في المستشفى، وقد نضطر لإدخالك العناية المركزة لاحقا".. أكملت المرأة تأملاتها، وسرحت هذه المرة في كلام الطبيب الذي اخترق طاقتها، لكنها قرَّرت النزول من السرير لتتجه الى خارج المستشفى دون أن تتفوَّه بكلمة واحدة. هرولت خلفها الممرضات والطبيب يستجدونها الموافقة على قرار التنويم والرجوع إلى سريرها، لكنها رفضت رفضا قاطعا مما اضطر معه الطاقم الطبي نزع إبرة الوريد وهي خارج المستشفى، عادت إلى بيتها بين أبنائها ولم تمضيِ أيام قليلة، إلا والحمى زالت من جسدها ورجعت إلى حالتها الطبيعية بصحة وعافية، مضى على هذه القصة قرابة شهر، هذه القصة حقيقية وقعت في أحد مستشفيات محافظة مسقط.

قبل هذه الحادثة بخمسة أشهر، أسرد لكم قصة صديق (45 عاما)؛ وهو من أقارب المرأة المذكورة في مطلع المقال؛ حيث توجه إلى نفس المستشفى بعد أن شعر بحمى خفيفة وحصل معه نفس السيناريو الذي حدث مع المرأة، إلا أنَّه استسلم موافقا بكل حواسه وجسده على قرار الطبيب، فاتَّصل بأقاربه يبلغهم بأنَّ لديه "كوفيد 19" وقد قرروا تنويمه، وكان يضحك ويمزح معهم، كونه مرحا ويُطمئنهم بأنه سيكون بخير، فهو لا يشعر إلا بحمى خفيفة وستزول بعد التنويم إن شاء الله. أغلق هاتفه وسلم ذراعه للممرضة لتعطيه حقنة التخدير ليغمض عينيه ويخرج بعد أسبوع من باب جنائز الموتى جثة هامدة من مستشفى آخر، بعد أن تمَّ تحويله من ذلك المستشفى.

هذه القصص هي أشبه بقصص مماثلة لآخرين أعرفهم عن قرب، دخلوا بأقدامهم من بوابة المستشفى نفسه، وأخرِجوا بعد أسبوع من بوابات جنائز الموتى من مستشفيات أخرى بختم كورونا القاتل!

ورغم أنَّهم قصدوا المستشفى بسبب وعكة صحية خفيفة، وكانوا يقودون مركباتهم بأنفسهم، هذه القصص لا بد من ذكرها كونها حقيقية، والملابسات المطروحة ليست معقدة؛ فهي واضحة حسب السرد دون إضافة أو نقصان، إلا أنَّ التفاصيل الطبية ودِقتها لا يمكن ذكرها هنا، كوننا لسنا مُلمِّين بها، وأقل ما يمكن أن نقدمه لأولئك الذين ذهبت أرواحهم بسبب "كورونا"، أنْ نذكر قصصهم التي أخذت أسبوعا من مسلسل الحمى الخفيفة إلى وفاتهم؛ فالجهود الصحية كثيرة وتضحيات الطواقم الطبية كبيرة.. وندعو الله الرحمة للأموات، وأن يمد الطواقم الطبية القوة والصحة والعافية، ولهم منا ألف تحية.