أصيص الأقحوان

تقوى محمد الجراح

مع حلول فصل الربيع، وتجمُّع قطرات الندى على أوراق الأشجار، ترفع زهرة الأقحوان (أقحوانة) رأسها تاركة نسمات الهواء تداعب بتلاتها، تمتصُّ أشعة الشمس مُرحِّبة بيوم جديد.

وككل يوم، تأتي صاحبتها "لونا" لتسقيها وتغني مطربة إياها، نادت الأم ابنتها: هيا يا صغيرتي ستتأخرين على دروسك، عادت "لونا" للمنزل، وتركت أقحوانة بدأت تدور في رأسها العديد من التساؤلات: يا تُرى كيف هو منزل "لونا"؟ وكيف تدرس دون ذهابها للمدرسة؟ وكيف يبدو العالم الخارجي بالأساس؟

بدأ كل أفراد عائلة الأقحوان السخرية منها، قائلين: ومن أنتِ لتتسألي عمَّا في الخارج؟ مكانك هنا أصيص في حديقة منزل، لم تُعر أقحوانة حديث عائلتها أي أهمية، وراحت تفكر وتتخيل ماهية العالم الخارجي!

مرَّت أيام وانتهى الأسبوع بأحداثه الروتينية المملة كما وصفتها أقحوانة، "لونا": "أمي دعينا نذهب في نزهة إلى أحد جبال مدينتنا؟"، ردَّت الأم: ولمَ لا؟ ولكن قبلها قومي بتجهيز قائمة لما نحتاجه وغدا سننطلق، صرخت "لونا" متحمسة: عاشت أمي.

عِندما عرفت أقحوانة عن النزهة، جعلت تفكر مليًّا في كيفية خروجها من هذا الأصيص الذي حبست فيه، ولم يستغرق الأمر طويلا حتى استيقظت "لونا" صباح اليوم التالي لتقطف بعضا من أزهارها المتنوعة لتزين بها شعرها الذي رفعته عاليا ككعكة صغيرة.

لم تُصدِّق أقحوانة ما حدث؛ فهذا يومها الذي لطالما حلمت به! أصبحت تنظُر بشغف يمينا وشمالا لتكتشف ما حولها.

مرَّ اليوم وأقحوانة تكاد تطير فرحا لأنها تعرفت على أكثر بكثير مما تمنت، قالت أقحوانة: يا للجمال! كم هي ألوان زاهية! نظرت زهرة أقحوان وقالت: لا أفهم لمَ كل هذا الفرح؟ ستموتين بعد فترة من بقائك هنا، ولكن جل تفكيرك في تلك التفاهات!! لم ترد أقحوانة كعادتها وراحت تتأمل ما حولها.

في نهاية اليوم، وعند عودة "لونا" إلى المنزل، كانت أزهار الأقحوان التي زينت بها شعرها قد ذبُلت فأمسكتها ووضعتها في حاوية كبيرة توجد في فناء المنزل، عندما وصلت أقحوانة لقاع هذه الحاوية، قالت: بعد هذا اليوم الجميل سأصبح سمادًا يستفيد منه أبناء فصيلتي، يا للسعادة.

تعليق عبر الفيس بوك