خسائر تطبيق ضريبة القيمة المضافة (1-2)

ناجي بن جمعة البلوشي

أقر المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة، على أن يتم تنفيذها ابتداء من تاريخ 1/1/2018، مع ترك خيار التنفيذ مفتوحا أمام تلك الدول المنضمة لهذا الاتفاق، ومع أن مثل هذه الضريبة ناجحة لحد ما في زيادة الإيرادات المالية لكثير من دول العالم، إلا أنَّها في دول مجلس التعاون الخليجي تبدو غير ذلك إذا ما دققنا فيها وتحققنا منها. ولنصل إلى ذلك التحقيق، كان لا بُد لنا من وضع بعض الأسئلة التي نريد أن نحصل على إجابة عنها، هذه الإجابة يجب أن تكون صريحة وخاصة بالدول الخليجية، أو تحديدا بدولة دون غيرها، فالعمل بتجارب الآخرين وتطبيقه في دولنا ليس دائما سبيل النجاح كما هو في مناطق أخرى من العالم، وذلك لما في كل دولة من خصوصية وطبيعة منفردة لنهضتها، تكون فيها منفعتها أكبر من تطبيق بعض التجارب العالمية.

فتطبيق ضريبة القيمة المضافة بدول المجلس الخليجي، كان نتاج دراسة كافية ووافية قامت بها جهات متخصصة يقال لها في كثيرا من الأحيان "بيوت الخبرة"، ولا أدري صراحة ما إذا كانت مثل هذه الدراسات قام بها مختصون من أبناء المنطقة وأولاد الخليج أنفسهم، لكنها حظيت بعدها بالموافقة من الدول الأعضاء، وبها تم التوافق على التطبيق الفعلي لمثل هذه الخطوة الجديدة والجريئة على حد سواء في منطقة أبنائها لا يزالون لم يدركوا بعد ما في أعماقها الحقيقية عند تطبيق مثل هذه الضرائب وما مدى المنفعة من تفعيلها لمستقبل دولهم وحياتهم وحياة أبنائهم المستقبلية.

ولأنَّ واقع الضرائب على مستوى الدول له منافع متعددة، إلا أنَّه في بعض الأحيان يستوجب على الإنسان القائم بدراسة تلك الضرائب وآلية تطبيقها أو اتخاذه لخيار الدقة في حالة قياسه وتقديره للوقت المناسب أو غيرها من الرؤية الشاملة الدقيقة التي تتوافق مع الإيرادات أو النفاقات الأخرى، والتي تستفيد منها المنظمات التكتلية قبل الإنسان المتواجد فيها. فمثل هذه الدراسات المستفيضة تحتاج إلى نخبة إنسانية اقتصادية تقدر أن تصنع الفرق في أوطانها، لا أن تقلد وتصنع الفارق بين الدول وبين أوطانها؛ فلا يُمكن تطبيق تجربة ما في دولة يعتمد اقتصادها الكلي على التصنيع المحلي مقارنة بدولة تستورد معظم حوائجها من الخارج، كما لا يمكن أن تطبق تجربة ناجحة في دولة يشكل فيها القطاع الخاص ما نسبته 80% من إجمالي الاقتصاد، وتطبيقه في الوقت نفسه بذات الآلية على بلد الانفاق الحكومي فيه يشكل ما نسبة 80% من الناتج المحلي الإجمالي، أو غيرها من الأسباب التي تتعارض مع النجاح في دول عن دول أخرى.

ولأن لكل شيء مقاييس يمكن لكل ذي لب أن يقيسها على مقياسه الذي يرتضيه، فإننا هنا سنضع بعضا مما نعتقده صوابا على مقاييس الكلفة الحقيقية والعمق الأكثر دقة فيما يترتب على المدفوعات والصرف الحكومي والمال العام من أثر فرض هذه الضريبة أو بمعنى أبسط ما ستدفعه الحكومات الخليجية مقارنة بما ستستفيده من تطبيقها!! بل وكيف وهو أكثر كلفة عليها مقارنة بالمردود المادي؟

أما من الجانب المعنوي فهو غير مستفاد منه مقارنة بما يشعر به المواطن من تذمر وسخط، في المقابل ذلك الرقم الناجم عن تطبيق الضريبة والذي يتصوره المحللون والمختصون ليس كبيرا مقارنة بالراحة النفسية المقدرة بالولاء والطاعة لأبناء الوطن، خاصة في الدول التي بها نسبة المواطنين متناسبة بنسبة مرتفعة مع الوافدين، أو في دول بها مستويات معيشة كثير من أفرادها ضعيفة. من جانب آخر، كان لا بُد من مراعاة كل الجوانب في الدراسات المستفيضة والتقدير بأن هناك عامل الإنسان، الذي يصدر منه رد الفعل في القوة الشرائية والسلوك الإنساني والاقتصادي، والذي سيكون له أثره البالغ في زيادة الاستيراد أو قلته مما سيؤثر تباعا على العوائد المالية من الجمارك الاعتيادية.

وللوصول إلى ذلك العمق، سنأخذ التجربة العمانية مثالا؛ لاننا من أبنائها ونفكر في الخير لها، كما نفكر في الخير لكل الدول الخليجية على حد سواء، فعندما تطبق ضريبة القيمة المضافة على أساس أنها مطبقة في 160 دولة حول العالم، فهذا ليس بالسبب الكافي لتطبيقها على أرض الواقع بدول الخليج العربية؛ إنَّ هذا السبب لا يتواءم مع طبيعة الاقتصاد في بعض من الدول الست -حاليا على أقل تقدير- وكان لزاما علينا أولا التوقف عند تركيبة من يقود الاقتصاد فيها؟ ومن هم المنفقون الحقيقيون فيها، عندها سنعلم أن الحكومة هي من يقود الاقتصاد، وبذلك هي في وضع مختلف عن الدول التي يقود فيها القطاع الخاص الاقتصاد، وهذا هو الفارق الجوهري بيننا وبينهم.. لكن عندنا الاقتصاد يقوده القطاع العام والشركات الحكومية والشركات الخاضعة للقانون والتصرف الحكومي.

هذه "الثلاثية" تُشكِّل القاطرة الحقيقية لاقتصادنا الوطني، وإذا لم تكن هناك استثمارات وانفاق حكومي فهذا يعني عدم تحقيق نمو اقتصادي، والاستثمار الحكومي هنا هو كل ما تنفقه الحكومة بصورة مباشرة أو عبر شركاتها وصناديقها الاستثمارية. وهذه القاطرة الاقتصادية هي التي تُدر العوائد والإيرادات المالية على خزينة الدولة.

وإذا كانت هذه التركيبة هي من يقود اقتصادنا الوطني؛ فإنها في الدول الخليجية الأخرى تمضي بنفس الوتيرة تقريبا، وهو ما يعني أن الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر من سيدفع أكثر ضريبة القيمة المضافة، ثم تعود من جديد لتكسبها كإيرادات محصلة، فتودعها في خزانة الدولة، ثم تبدأ وزارة المالية من جديد البدء بنفس الدورة الاقتصادية؛ فتنفقها عن طريق الانفاق الحكومي في موازناتها المالية للأعوام التالية أو في شكل استثمارات حكومية أو استثمارات من المدخرات الحكومية.. وللحديث بقية،،