عُمان ومبدأ الجنوح للسلم

علي بن حمد بن عبدالله المسلمي

عُمان ومزُون ومجَان وسُفن الناس وبلاد اللبان وعُمانه وأوفير وبار وسفار وظفار مسميات أطلقها الأقدمون على عُمان بشكل عام أو الأقاليم التي تعاملوا معها بشكل خاص، وإن دلَّت على شيء، فإنَّما تدل على الصلات الحضارية القائمة آنذاك، والسلام والوئام والمحبة التي سادت بين الطرفين في تلك الحقبة من الزمن.

ومع بزُوغ فجر الإسلام، قال تعالى: "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، انطلقت الدعوة المحمدية بمبعث سيد الأنام محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام تخاطب الناس: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

فأرسَل الرسول الكريم الرسل إلى الملوك يدعُوهم بدعوة الإسلام" أسلم تسلم…."؛ فأرسل عمرو بن العاص إلى عبد وجيفر ابني الجلندى ملكيْ عمان يدعوهما إلى الإسلام؛ فأسلما ولبَّيا نداء الإيمان، ودعا لهم الرسول بالخير ولأهل عمان وشهادته فيهم تظل راسخة: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ".

وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- خاطبَ الصِّديق وفد التعزية الموفد للمدينة، وقال فيهم: "معاشر أهل عُمان إنكم أسلمتم طوعا، لم يطأ رسول الله ساحتكم بخفٍّ، ولا حافر، ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة، ولا تشتُّت شمل، فجمع الله على الخير شملكم".

وفي عهد الفاروق، أمر واليه على عُمان عثمان بن أبي العاص الثقفي، بأن يطلب من العمانيين المشاركة في الفتوحات الإسلامية، فأرسل الفاروق برسالة عاجلة إلى ملوك عُمان جيفر وعبد يطلب مساندتهم فلبَّيا النداء، وكان يستبشر بهم خيراً ويثني عليهم.

وبعد استشهاده تولى الخلافة ذو النورين، وفي كنفه واصل العمانيون الفتوحات الإسلامية في أواسط أسيا بقيادة أبو صفرة وأصحابه، وإثر الفتنة التي أدت لمقتله وما تبعها من أحداث، تولى الخلافة سيدنا علي كرم الله وجهه، ولثقته بأبي صفرة، استطاع هو وابنه المهلب توحيد راية المسلمين تحت رايته، رغم اعتزالهم الفتنة وموقفهما من الأحداث التي عصفت بالمسلمين في تلك البرهة من الزمن، وضربا أروع الأمثلة في لمِّ شمل المسلمين.

وهناك شواهد أخرى مدَّ العمانيون فيها النجدة والنصرة من أجل السلم الأهلي؛ فتلكم المرأة السقطرية، فاطمة الزهراء التي استنجدت بالإمام الصلت بن مالك الخروصي في قصيدتها الموسومة؛ التي ما زالت الآذان تترنم بها حتى يومنا هذا خير شاهد على ذلك:

قل للإمام الذي ترجى فضائلهُ... ابن الكرام وابن السادة النُّجُب

وكذلك استنجدَ أهلُ البصرة بالإمام أحمد بن سعيد؛ فمدَّ يد العون لهم ودحر أعداءهم وبسط السّلم لهم، وفي عهد السيد سعيد بن سلطان امتدت الإمبراطورية العمانية إلى شرق إفريقيا؛ حيث نأى بنفسه عن المشاكل الدولية، ومد يد الصداقة لدول العالم في ذلك العصر، هذا إضافة لشعبيته الواسعة حتى قيل: "إذا قرعت الطبول في زنجبار تراقصت لها الغابات".

وفي عهد السلطان قابوس -طيَّب الله ثراه- أكد أن السلطنة "دولة سلام، تعمل على تحقيقه وبذل كل ما يُمكنها فعله تجاه شعوب العالم"، ومدَّ العمانيون جسور المودة والصداقة مع كثير من دول العالم في ظله.

وفي ظل القيادة المتجددة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ها هي عُمان تنتهج نفس النهج القويم في رأب الصدع ببن أشقائها، وتمد جسور التعاون والإخاء والسعي للصلح بين الفرقاء من أبناء الأمة العربية والإسلامية تحقيقا لمبدأ الجنوح للسّلم.

تعليق عبر الفيس بوك