جرس الإنذار

وداد الإسطنبولي

هُناك حُرقة تنتابني، تُشعرني بالبكاء، أهي جمُوح الكلمات التي تتصارع للخروج، أم شغفِي بها يُراعي مشاعر الأسطر التي ستحملها بين أكتافها.

فقصاصات ورقي التي تتناثر هنا وهناك تتدحرج بسرعة من أمامي، وكأنها تهرب من مصير غامض، هل تنبَّأت هي أيضا بالغرق الذي سيداهمنا؟ أم أنَّ تدحرجها من تلك النسمة الخفيفة من الهواء جعلها تهرول لتخفي نفسها بين ثنايا الزوايا، يسهل عليها المراقبة من الأزقة الضيقة. خائفة من ضغط يدي عليها ورميها على الأرض بإهمال.

مُجرَّد هواجس أكتبها وأمزِّقها، لا أريد لها الظهور، أو التغريد في أقفاص تتقلَّص معها، في هذا الوقت العصيب.

أوجاعٌ تلمُّ بنا، ولم تجد من يضمِّدها بطريقة صحيحة، والوقت يداهم الزمن.. وكل يوم لنا رغبات نحو الأفضل، وننظُر حولنا وننتظر: ما الذي تحمله الخبايا؟

الشُّعور بالجنون أمر جميل، تجد أنك لستَ مُقيَّدا، وإنما حرٌّ طليق لا رادع ولا قاضي يحكم على ما أنت عليه، كما أنَّ الاحتفاظَ بما في نفوسنا ليس جهالة وليس خوفا؛ وإنما هو واسع المدى يحمل مكنونات، ربما خُروجها سيزعج الجميع.

كأنَّني أهذِي بالكلمات، وأحارب شيئا داخليا يصعب نطقه، وأختفي خلف النصوص، وأستعين بنفسي الداخلية المسترخِية على سرير التنويم المغناطيسي. كأنَّ كل شيء مررنا به يعود من جديد، وكأننا في اختبار الصلابة، والمؤشر الزئبقي يرتفع وينخفض لقياس الصبر، ولكن عيناي ما زالت تائهة، فقد أخذنا شوطا طويلا واعتدنا عليه بعد ضيق صدر، وتفكير غائم، وشعور المضطرب المضجر.

والآن.. جرس الإنذار يرن بالنذير، وشهقت أنفاسنا لإعادة ذاكرة مفقودة لا نحب أن نعيد ذكراها، وربما يهُون علينا الأمر هذه المرة -طبعا نحن لسنا على غفلة- وإننا الآن مستعدون ومتأهبون للخطط البديلة، فنحن على مشارف قدوم الضيف الشريف والشهر الفضيل، الذي بدوره سيكون لنا حافزا بفتح أبواب السموات، ورفع أيادي المتضرعين للمولى -عزَّ وجل- وكلٌّ منا له خبايا نحتاج منها إلى القرب من جواره في زوايا مغلقة، لنلتقِي به ليفرج لنا الأمور وتتيسَّر لنا المطالب، ونهتدي لهداه.. فمنا الدعاء وعليه الاستجابة.

ويقينًا... لا يأتي هذا التذلل والرضوخ والسجود للمطالب، إلا بعد التدبر وتفقد أحوالنا العامة منها والخاصة، فلربما لم نستفد من الدرس السابق، ونسينا ما لنا وما علينا، أو ربما تناسينا مع الضغوطات والاضطرابات القرب ممن يستجيب الداعي؛ فهو قريب لا يهضم الحق، وأسرع منا في استجابته لعبده.

أجمل ما في الأمر أنَّني سأجدد النشاط الفكري، والإلهام الروحي نحو تغيير ما يخطه قلمي، فلن تهزمني القرارات بالمكوث دون فائدة، وأشعر نفسي بالانهزام أيضا، سوف أستعد لغرس الثمار، وأبدأ بالقراءة؛ فقد أهملت هذا الجانب قليلا، وهناك قصص مركونة لم أُتْمِم كتاباتها، سأعمل جاهدة لوضع خطط للقادم بشكل أفضل، لأجني بعدها الحصاد، ولأرتاح من الضجيج الخارجي، الذي لا ندري إلى متى سنقاوم لتفادي خطره، وإلى متى سيتوقف المثرثرون، فقد تأثرنا بالأقوال الخارجية وتعبنا من سد الشبابيك، وصد آذاننا بأيدينا عن كل من يدلو بدلوه.

تعليق عبر الفيس بوك