سباق كورونا بين صاروخ الإصابات وقطار اللقاحات

 نجلاء عبدالعال

لم يعد التفشي المتسارع لفيروس كورونا وحصده للأرواح مفاجئا، ومن حق العلماء أن يهزوا رؤوسهم من أعلى لأسفل قائلين "هذا ما سبق لنا التحذير منه"، لكن المفاجأة في أن يكون الحل موجودا ويخسر في سباق السرعة فتصاب الأجساد وتزهق الأرواح بفيروس تم الوصول إلى سبيل للحماية منه.

سرعة الانتشار وتزايد أعداد الوفيات بكورونا مع وجود وتعدد اللقاحات الواقية منه يؤكد أن هناك خللا ما في مكان ما أو في سياسة ما، لنبدأ من الاعتراف بخلل جسيم وقع في الإعلام وهو الرصد غير المتوازن للآثار الجانبية للفيروس على حساب الجوانب الإيجابية، والتعامل مع فيروس كورونا كما التعامل مع القاعدة الإعلامية العالمية وهي "أن الحدث السيء بالنسبة للإعلام هو خبر جيد"، فإذا كان هناك آلاف الطائرات تقلع وتهبط بسلام يوميا فإن هذا لا يعد خبرا لكن سقوط طائرة هو خبر جيد.

ولكن حتى نكون منصفين أيضا فلابد من القول إن فيروس كورونا يختلف على ما سبقه فيما يخص الآلة الإعلامية في يد كل مواطن في العالم، وهي الهاتف ووسائل النشر مثل تويتر وفيسبوك وواتس اب وغيرها من القنوات، التي ربما نحسن صورتها عندما نسميها وسائل تواصل لكنها في الحقيقة أصبحت في قوة وسائل النشر التقليدية - إن لم تكن أوسع تأثيرا، ولكنها بدون حسيب أو رقيب، فإذا ما شارك شخص في طرف العالم صورة وسطرا عن تأثيرات سيئة للقاحات، فإن هناك العشرات الذين قد يصدقونها في الطرف الآخر من العالم.

الخلل الآخر كان في التخبط الذي أصاب إدارة الأزمة على مستوى العالم والذي كشف أن 75 عاما مما يطلق عليه "العمل المشترك"، بعد الحرب العالمية الثانية، لم يبلور فعليا حقيقة وواقع لإنسانية البشر الذين يعيشون على هذا الكوكب، فكان أكبر الأعراض الجانبية لفيروس كورونا تأثيرا وهو ارتفاع أسوار الحدود المعنوية بين الدول، وحتى الآن على سبيل المثال مازالت دول أوروبا التي يضرب بها المثل في "الاتحاد رغم الاختلاف" تغلق الحدود بينها وتضع أولوية التطعيم لمن يحمل جنسيتها، وهو ما يحرم ملايين من الحصول على اللقاح في بقية دول العالم.

ولكن هذه الأنانية لا تعفي الدول الأخرى من خطأ الاعتماد على ما تجود به أوروبا عليها من لقاحات، وفضلا عن الخطأ في الاهتمام منذ البداية بامتلاك الخبرة والقدرة على تصنيع الأدوية واعتبار الأمن الصحي جزء لا يتجزأ من أمن الدولة، فإن الكثير من الدول وقعت في فخ الحروب التجارية بين الدول وشركات تصنيع اللقاحات بتفضيل لقاح على آخر بصرف النظر في حقيقة نتائج الاختبارات السريرية لكل لقاح.

خلل آخر وقعت فيه بعض الدول عندما وضعت سيناريو نظري لجائحة متسارعة لا تفيد معها النظريات؛ فتقسيم المجتمع إلى شرائح عمرية أو بأولوية أخرى ثم انتظار إقناع هذه الشرائح بتلقي اللقاح قبل الانتقال للشريحة التالية، يعني حرمان الشرائح الأخرى من حقها في الحماية.

أما العامل النفسي والاجتماعي فكان الخلل الجيني الواضح في تعامل كل فرد ومسؤوليته الواضحة التي لابد من أن يتحملها، فقد تغلبت طبيعة الإنسان ككائن اجتماعي ما يحتاج إليه وقف انتشار الفيروس من حذر واجب، وبعد فترة من الالتزام المدفوع بالخوف على صحة كل فرد وأحبائه أصاب الملل والاستسلام البعض فبدأوا في إقناع أنفسهم بأن الاحترازات غير مجدية أو فعالة أو أن ما يكن فليكن، وهو أمر ربما أدى إليه محاولات تخفيف أثر الواقع والحقيقة الكارثية للجائحة، حتى أتت النتيجة عكسية.

ولأنه لا توجد وصفة علاجية واحدة يمكن أن تنفذ فتنتهي خطورة الفيروس فالمشترك الوحيد الذي أثبت صحته حتى الآن هو أن كل فرد مسؤول عن صحته وعن سلامته وعليه أن يتحصن بكل السبل من خطر يهرول بسرعة الصاروخ بينما يسير قطار مواجهته بطيئا.

تعليق عبر الفيس بوك