تلمُّس تطلعات الشعب.. سمة سلطانية

أحمد بن سليمان العبري

تميَّزت فترة حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- بالجولات السلطانية، التي جابت السلطنة من أقصاها إلى أقصاها، وكانت تُمثل فرصة للمواطنين ليتمكنوا من عرض مطالبهم وشكواهم إلى جلالته بشكل مباشر ودون وسيط؛ فيتم ذلك بعدة أوجه؛ إبرزها: لقاء جلالته بالشيوخ والأعيان وتلمُّس احتياجات الشعب، وتوجيه الوزارء والمستشارين بإجراء الزيارات الميدانية للوقوف على كل ما من شأنه تحقيق مطالب المواطنين، والأهم من ذلك قيام جلالته منفردًا بجولات غير معلنة ومفاجئة ولقاء الشعب بجميع أطيافه والاستماع لهم والوقوف على تطلعاتهم، ويعكسُ ذلك عمق اهتمام جلالته بالمواطن، وسعيه لتلبية متطلباته وتطلعاته، وغالباً ما يتم ترجمة تلك المطالب إلى واقع.

وتُسهم هذه الجولات في التنمية؛ حيث تعد وسيلة للاطلاع على منجزات النهضة والنظر في مراحل استكمالها، وما قد يترتب على الزيارات الميدانية من قبل الوزراء والمستشارين من اقتراح إجراء بعض التعديلات في الخطط التنموية، وهو فرصة لهم للخروج من مكاتبهم والوقوف عن الأعمال المسندة إليهم بأشخاصهم، إضافة للأثر المعنوي وترسيخ الولاء لدى المواطن الذي يشعر بالقرب من السلطان دون حواجز.

وعبَّر السلطان الراحل -رحمه الله- في حديثه لجريدة السياسة الكويتية عن أحد دوافع تلك الجولات؛ وهو: تفقد أحوال الرعية حين قال: "إنَّ تفقد أحوال الرعية شأن موجود في تاريخ الإسلام، ويعد من واجبات القائد، هناك مواطنون قد لا تسمح لهم ظروفهم بأن يطرقوا أبوابا معينة فآتي أنا إليهم بشكل مباشر.."، ولا شك أنَّ هناك أهدافا أكبر من ذلك قد تتصل بتوجيه خطط التنمية.

وتتجدَّد النهضة وتبقى ذات الأسس العريقة، ويستمر النهج السلطاني في ضرورة الاستماع للمواطن، وترك قنوات للتواصل معه، وقد أكَّد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- على ترسيخ هذا النهج؛ حيث جاء في أحد الخطابات عند حديث جلالته عن الشباب: "... وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحق"، وظهر ذلك جليًّا في انتقال جلالته بين عدة محافظات، واللقاء المباشر بأهالي محافظة ظفار، ولا يمر يوم إلا ونشاهد نوعاً من التواصل المباشر مع الشعب من لدن العائلة السلطانية.

واكتسبتْ السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المعظم -حفظها الله ورعاها- خلال الفترة القصيرة الماضية المزيد من تقدير العمانيين بسبب مبادراتها الإنسانية في الاطمئنان والدعم وتحقيق أمنيات بعض الحالات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ذلك دلالة على المتابعة المستمرة لما يدور بالمجتمع، إضافة إلى دورها الاجتماعي الذي ظهر خلال جولاتها في بعض الولايات، والتوقف أثنائها للاستماع لأبناء الوطن بنفس سخية وكريمة، والتوجيه باستلام طلبات من لم يتسنَّ له لقاؤها.

وما زالت السيدة الجليلة تسير وتنشر الأمل والتفاؤل، وترسم مثالا مشرفا عن المرأة العمانية الشامخة، المرأة العمانية الشريك في النهضة والتنمية والبناء، الساعية للمساهمة الفاعلة في التغيير لما فيه خير هذا الشعب.

وما زال المواطن يأمل أن لا يكون تحقيق طلبه أو الاستماع لشكواه مرهونا بفرصة لقاء مولانا المفدى فقط؛ إذ قد لا يحظى بذلك الشرف، بل يتمنى أن يتحمل جميع الوزراء مسؤولياتهم كما أراد من منحهم الثقة، وحمَّلهم أمانة ذلك في حدود اختصاصهم، وكما أقسموا أمامه: "أن أكون مخلصاً لسلطاني وبلادي... وأن أرعى مصالحها ومصالح مواطنيها رعاية كاملة، وأن أؤدي واجباتي بالصدق والأمانة".

وفَّق الله مولانا المعظم، وسدد خطاه ورزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

تعليق عبر الفيس بوك