الفرص المهدرة بين العماني والوافد!

مصطفى الشاعر

قبل مدة قصيرة، وأثناء حواري مع تاجر عماني شاب كان يقول لدينا شباب مستعدون للعمل بوظيفة سائق، ويتغرب في مكان بعيد وقد يكون تحت مسؤول وافد، وعلى راتب 350 ريالا، في المقابل وبالقرب من منزله يوجد هناك وافد يُدير محلًا قد يحول أكثر من ألف ريال شهريا إلى بلاده!!

متسائلًا: لماذا بعض شبابنا لا يقرر أن يقتنص هذه الفرص ويستقر بالقرب من منزله ليدير تجارته بنفسه بدل هذا العناء الكبير؟!

وفق تحليلنا أن الجميع يتحمل المسؤولية، والعتب أن كان على الحكومة في التوعية أو بعض الشباب في التخاذل وعدم اقتناص الفرص، ثقافة بناء الدخل لدى الوافد في بلاده قائمة على التجارة لذلك تجده متمرسا ومتمكنا بها بشكل كبير، في حين ثقافة الدخل لدى بعض الشباب العمانيين ومنذ بزوغ عصر النفط قد تحولت إلى ثقافة الراتب الذي يسعى إليه الشاب مهما بلغت التحديات.

في مسقط على سبيل المثال، هناك مناظر يومية نراها لبائعين يفترشون الطرقات لبيع منتجاتهم وأغلبهم من فئة الباحثين عن عمل، في حين هناك محلات وافدين على مسافة أمتار منهم وقد تبيع ذات المنتجات التي يبيعها البائعون على الطرقات، لكنهم يجنُون مداخيل عالية جدا مقارنة بهم مع وجودهم في مواقع ملائمة وبيئة عمل مريحة بشكل أكبر.

السؤال الذي يجب أن نطرحه: لماذا لم يقتنع هؤلاء الباعة بأخذ مكان الوافدين في المحلات بدل الطرقات؟

هنا ما نعتقد أنه يجب أن يدرس بعمق من المؤسسات والمسؤولين المعنيين بالتجارة في بلادنا.

نحن في كل زيارة إلى ولاية نزوى ما زلنا نكرِّر أن ليت سوق نزوى هو كل سوق في عُمان، لما نراه من سيطرة مطلقة من قبل أبناء نزوى عليه، في تجربة يجب أن تُدرَّس بعمق. ففي سوق نزوى تكاد تدخل السوق وتخرج منه ولا تجد وافدا واحد فيه، من أصغر المهن إلى أكبرها، حتى إن بعض المهن قد تجد طلاب المدارس والكليات يستغلون أوقاتهم فيها لكسب رزقهم.

لقد كان أجدادنا على مر التاريخ هم رواد البحر والتجارة ما بين الهند والسند والبصرة وشرق إفريقيا، ومن المؤسف أن قطاعا كبيرا من شبابنا قد تخلى عن التجارة حتى احتلها الوافد الآسيوي في كل الأسواق المحلية في بلادنا، وهو الذي أتى إلينا من وراء المحيطات.

رسالتنا اليوم إلى المؤسسات المعنية بتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ أن تنزلوا إلى الميادين وأن تتواصلوا مع الشباب بشكل مباشر، وبالإمكان استغلال الأندية والفرق الأهلية ووسائل التواصل الاجتماعي وكل السبل المتاحة للوصول إلى الشباب وتوعيتهم بذلك، فمثلا تملك وزارة العمل قاعدة بيانات ضخمة بالشباب الباحثين عن عمل في مختلف ولايات السلطنة، وإن قررنا دراسة ولاياتهم ومعرفة الفرص المتاحة لهم قد يكون من السهل الوصول إليهم لتوعيتهم من خلال الندوات والمؤتمرات وشرح الفرص الموجودة أمامهم، على هذه المؤسسات أن تسعى لبث ثقافة العمل في التجارة وشرح الفرص الموجودة في السوق فقد تكون فرصة علاج نسبة كبيرة من البطالة في بلادنا من خلال ذلك.

اليوم.. يؤكد حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله- أهمية دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال ‫خطة التحفيز الاقتصادي التي أقرتها الحكومة الرشيدة، وهو ما نعتقد أنه دليل راسخ على الدعم الذي توليه قيادة البلاد لهذه الفئة من الشباب العمانيين، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد بسبب الجائحة؛ ما على المؤسسات المعنية سوى الأخذ بيد الشباب ودفعهم للتجارة والقضاء على الفجوة التي خلفتها ثقافة الدولة الريعية المعتمدة على الراتب الشهري، وعلى الشباب أن يقتنصوا الفرص المتوافرة في بلادهم، وأن يحلوا محل الوافد في كل ميادين التجارة مهما كان نوعها، فعمان لن تُبنى إلا بسواعد أبنائها في مختلف الميادين.

تعليق عبر الفيس بوك