مسقط - العمانية
أظهرتْ دراسة عُمانية -شارك فيها 1580 مواطنًا ومقيمًا من محافظات السلطنة المختلفة- أن 30 في المئة منهم عانوا من أعراض القلق والاكتئاب واضطرابات النوم لأسباب متعلقة بجائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"؛ أغلبهم من النساء.
وقال الدكتور حمد بن ناصر السناوي استشاري أول بقسم الطب السلوكي بمستشفى جامعة السلطان قابوس: "إنه ومع بداية الجائحة قمنا بإجراء دراسة بحثية توصلت بشكل عام إلى أنَّ العاملين في الخطوط الأمامية "مثل الأطباء وطاقم التمريض" من أكثر الفئات تعرّضا أيضًا للضّغوطات النفسية سيما في بداية الجائحة، وأن ارتفاع عدد المصابين أدّى لظهور حالات الإحباط والاحتراق النفسي لدى أعضاء الطاقم الطبي الذين يعملون لساعات أطول بسبب زيادة عدد الحالات التي تحتاج للعناية الطبية. وأضاف أنَّ الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم من أكثر الآثار النفسية التي تظهر على المصابين بمرض فيروس كورونا المستجد من مختلف الأعمار. وأوضح أنه في الوقت الحالي يعد أخذ اللقاحات من أهم الطرق الفعّالة للتعايش مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) من أجل عودة الحياة تدريجيّا كالسابق، مثل بعض الدول التي قامت بتطعيم عدد كبير من السكان، وأن التردّد في أخذ اللقاح وتصديق الإشاعات وما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي والمبالغة في الخوف يؤدي لاستمرار الإصابة بالعدوى وما يصاحبه من خسائر في الأرواح والأموال.
وقال إنَّ كبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة بالهذيان، كأن يتوهم الشخص حدوث أشياء لم تحدث، ويفقد الإحساس بالوقت مع ظهور التوتر أو الخمول والكسل، أما الأشخاص غير المصابين بمرض فيروس كورونا، فقد لوحظ زيادة حالات الاكتئاب والقلق والإحباط والخوف لديهم من المستقبل، وتأثير الجائحة والإغلاق على الأعمال والخوف من فقدان الوظيفة. وظهر لدى البعض ما يعرف بالأكل العاطفي وهو أن يقوم الفرد بتناول كميات كبيرة من الأطعمة التي لها نسبة عالية من الكربوهيدرات مثل الكعك والحلويات والشوكولاته مما يؤدي إلى زيادة الوزن (السمنة)، خاصة في ظل عدم الخروج من المنزل أو ممارسة الرياضة، كما شهدت بعض الأسر زيادة في حالات العنف المنزلي.
واشار استشاري أول بقسم الطب السلوكي بمستشفى جامعة السلطان قابوس -في حديث مع وكالة الأنباء العُمانية- إلى أنَّ الدراسات العلمية أظهرت وجود علاقة بين الحالة النفسية للفرد ومناعته الجسدية؛ فالأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة تكون مناعتهم أفضل والعكس صحيح، فالقلق على تبعات الحظر والإغلاق الذي صاحب الجائحة أدى إلى بعض السلوكيات مثل الهلع في التسوق وتخزين المواد الغذائية التي شوهدت في بداية الجائحة، كما يعاني بعض الأشخاص من أعراض الوسواس القهري؛ مثل: المبالغة في تعقيم اليدين، وتجنب الآخرين تماما، وعدم الخروج من المنزل حتى في حالة عدم وجود حظر؛ مما يؤثر سلبا على صحتهم النفسية.
ورأى أن العزل المنزلي أو المؤسسي يؤثر سلبا على صحة الإنسان النفسية، وأن العزل الصحي قد يسبب الشعور بالوحدة والقلق والاكتئاب؛ لذلك ينصح الأشخاص بالاستمرار في التواصل مع الأهل والأصدقاء عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، والحرص على اتباع نظام (روتين) معين للنوم والأكل وممارسة التمارين الرياضية، إضافة لمحاولة الاستفادة من الوقت في تعلم مهارات جديدة.
وأكَّد أن على الفرد تجنب متابعة الأخبار المحبطة التي تهول من آثار الفيروس أو الترويج للإشاعات، مشيرًا إلى أنه في حالة استمرار الأفكار السلبية أو ظهور أعراض القلق والاكتئاب يمكن للشخص طلب الاستشارة النفسية من المختصين عبر العيادات الافتراضية التي تتيح له التحدث مع الطبيب أو المعالج النفسي عبر الاتصال المرئي، ضمن برامج آمنة تحفظ خصوصية المريض.
من جانبه، قال الدكتور بدر بن علي الحبسي طبيب استشاري مدير مستشفى المسرة، إنَّه ومن خلال جائحة كورونا انصبَّ اهتمام الباحثين على مضاعفات تأثير الفيروس على الجهاز التنفسي وغيرها من المضاعفات الطبية التي تشكل خطرا على حياة الشخص المصاب بفيروس كورونا، في حين أن هناك دراسات قليلة تتناول التأثير المباشر لفيروس كورونا على الصحة النفسية. وأضاف أنه لا يمكن تجاهل العامل النفسي وأثره البالغ على الصحة العامة، مشيرًا إلى أن تأثير الفيروس على الصحة النفسية للمصابين المعزولين أو عامة الناس من الأمور المهمة التي يجب أن نسلط الضوء عليها. وأشار مدير مستشفى المسرة إلى أن الدراسات المنهجية من الأبحاث التي نشرت حول الصحة النفسية لعامة الناس خلال جائحة كورونا بيّنت ارتفاع أعراض القلق والاكتئاب إلى أعلى معدلاتها من 48 إلى 51 في المئة، مبينا أنَّ حالات اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات النوم زادت بشكل ملحوظ أيضا.
وفي سياق متصل، أوضحت الدكتورة ندى بنت عبدالله البلوشية طبيبة اختصاصية رئيسة قسم التأهيل الطبي بمستشفى المسرة، أنَّ النساء والشباب من سن 40 سنة فأقل، هم الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية؛ لأن طبيعة المرأة تجعلها أكثر عرضة للاكتئاب والقلق عموما بغض النظر عن وجود الجائحة ونتائج التباعد الاجتماعي بما فيها العزلة التي تحدّ من أنشطة الشباب المختلفة. وقالت إن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة مسبقا والمتابعين أخبار الجائحة غير الصحيحة باستمرار تزيد لديهم خطورة الاضطرابات النفسية، مشيرا إلى أن دراسات عدة أكدت أن الحجر الصحي أيضا يجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب ومستويات عالية من الغضب، خاصة بعد امتداد العزلة الاجتماعية لأكثر من أسبوع.
وأكدت أن الحفاظ على الترابط الاجتماعي خلال فترات العزل الاجتماعي أو الحجر الصحي يعد ضروريا لمواجهة التأثيرات النفسية السلبية المصاحبة لها، كما يعد الحفاظ على نمط حياة إيجابي من العوامل المهمة لتخفيف وطء الضغوطات النفسية عموما، إضافة للحفاظ على نظام غذائي صحي وساعات نوم منتظمة وممارسة الرياضة بانتظام على الأقل 90 دقيقة في الأسبوع، إلى جانب ممارسة بعض تمارين الاسترخاء كالتنفس العميق واسترخاء العضلات التدريجي، وأنَّ كل ذلك يساعد على تخفيف حدة الضغط النفسي، إضافة لممارسة تمارين التأمل واليقظة الذهنية.