التعافي الشامل

حاتم الطائي

◄ خطة التحفيز الاقتصادي تمضي قدمًا مع حملة التحصين ضد "كورونا"

◄ الخطة تتسم بالشمولية والتكاملية.. والمواطن المستفيد الأول والأخير

◄ النهضة المتجددة ترسي دعائم النمو الاقتصادي بعد إنجاز الإصلاح السياسي

"التحفيز" كان المطلب الأكثر تداولًا في الأوساط الاقتصادية وبين جميع المعنيين بالشأن العام، ولم يخلُ مقال لكاتب أو تصريح لمسؤول خلال الشهور المنصرمة من كلمة "التحفيز"، وإن استُخدمت بألفاظ مختلفة؛ فالتحفيز والتشجيع والتعزيز والرفد والإنماء والدعم والتبسيط والتيسير والإعفاء...وغيرها من الكلمات، كلها تصبُّ في بوتقة واحدة: التحفيز الاقتصادي لتحقيق التعافي، ومن ثمَّ تحقيق النمو المستهدف، خاصة في السنوات الخمس الأولى من الرؤية المستقبلية طويلة المدى "عُمان 2040".

وما إنْ أُعلن عن اعتماد مجلس الوزراء الموقَّر برئاسة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لخطة التحفيز الاقتصادي حتى تنفَّس الجميع الصُّعداء، وعمَّ التفاؤل مختلف قطاعات المجتمع؛ وعلى رأسهم الاقتصاديون وخبراء المال ورجال الأعمال والمستثمرون، إضافة للصَّدى الخارجي. وهذه الخطة من شأنها أن تحقِّق التعافي الاقتصادي، لا سيما إذا ما قرأنا المشهد على عموميته؛ فالآن باتت لدينا خطة للتحفيز الاقتصادي بالتوازي مع حملة وطنية للتحصين ضد مرض "كوفيد 19"؛ بدأت بالفعل منذ أواخر ديسمبر 2020؛ وهذا يعني أنَّ مساريْن متوازيين، بدآ من ذات نقطة الانطلاق، ويستهدفان الوصول إلى غاية أسمى واحدة: اقتصاد وطني ينمو ويزدهر بصورة مستدامة.

وإذا ما نظرنا في هذين المسارين، سنجد أنَّهما يعكسان مدى الإدراك الواضح من جانب حكومة صاحب الجلالة لأولويات المرحلة؛ فالصحة والاقتصاد هما الشغل الشاغل لأي دولة بدأت مسار التعافي من تبعات وباء "كورونا"، فلا يُمكن سلوك مسار دون آخر، أو تفضيل الأول على الثاني، ولا العكس؛ إذ إنَّ تحقيق أي نمو اقتصادي دون تعزيز أداء القطاع الصحي ودعمه للقيام بدوره كاملا لن يُجدي نفعا، بل من الأساس لن يتحقق هذا النمو، وما أدلَّ على ذلك من الدول التي لجأت في بداية الأزمة لمواصلة الأنشطة الاقتصادية، لكنها ما لبثتْ أن عانت من ويلات صحية لم تتمكن من مجابهتها بالكامل حتى اليوم، وقد مر عام بالتمام والكمال على إعلان "كورونا" وباءً عالميًّا! كما أننا لن نتمكن من تعزيز كفاءة القطاع الصحي دون نمو اقتصادي حقيقي يرفد ميزانية الدولة بالإيرادات المطلوبة للإنفاق على القطاع الصحي. ولقد برهنت الأزمة الصحية العالمية أن الإنفاق على القطاع الصحي يجب أن يكون ضمن أولويات أي حكومة في العالم؛ فلم يعُد الأمر فقط بناء مستشفيات أو افتتاح عيادات؛ بل الأمر يتخطى ذلك إلى تدريب وتأهيل الأطباء والطواقم التمريضية، وشراء أحدث المعدات والأجهزة الطبية، وكذلك وضع خطة طوارئ جاهزة في أي وقت للتعامل مع الجوائح، وبناء منظومة وطنية مستدامة لمواجهة أية أزمات صحية مستقبلية، لا قدر الله.

لكن ومحاذاةً لهذا النهج، كان من الضروري إقرار خطة للتحفيز الاقتصادي، وهو توجُّه عالمي تحقق بإرادة وطنية خالصة، تؤمِن تمام الإيمان بأنْ لا بديل عن تقديم كل ما يمكن أن يُسهم في تحريك مياه الاقتصاد الراكدة، والحفاظ عليه من الوقوع في براثن الانكماش، خاصة وأنَّ الأزمة في عُمان -كغيرها من الدول النفطية- مزدوجة، والحق أنَّ اقتصادنا يواجه التحديات منذ 2014، وليس 2020، إلا أنَّ السياسات الرشيدة المتبعة منذ ذلك التاريخ أسهمت في تخفيف حدة الأزمة، لكن جاءت أزمة كورونا وفاقمت الوضع، وضاعفت المعاناة، فبتنا أمام تحديين رئيسيين: تراجع شديد في الموارد المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط لمستويات دنيا، وأزمة فيروس كورونا، وتفشي العدوى في عُمان وفي كل أنحاء العالم. الخطة منذ البداية كانت جلية وواضحة؛ وهي حماية الصحة العامة، ورعاية كل إنسان يعيش على تراب هذا الوطن العزيز. أما وقد دخلنا في العام الثاني من الوباء، وقد تطوَّرت قدراتنا على مواجهة الجائحة، انطلقت خطة التحفيز الاقتصادي، لتمثل طوق النجاة لمختلف القطاعات والمواطنين.

المُميَّز في هذه الخطة أنَّها تتسم بالشمولية والتكاملية؛ فلم تستهدف قطاعا اقتصاديا بعينه، أو تميل تجاه طرف على آخر؛ بل جاءت شاملة ونافعة للجميع، بدءا من شركات القطاع الخاص، مرورا بالمستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وانتهاءً بالمواطن؛ فالمحفزات والتسهيلات المقدمة تشمل كل هذه الفئات. وقد ارتكزت الخطة على 5 محاور رئيسية، يمكن تلخيصها في: 1) تسهيلات ضريبية، 2) حوافز لنمو بيئة الأعمال والاستثمار، 3) محفزات لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، 4) تسهيلات محفزة لقطاع سوق العمل، 5) حوافز مصرفية، وهذه الأخيرة تشمل الجميع: شركات وأفرادًا. وكلُّ هذه الإجراءات التحفيزية تنشُد تحقيق التعافي الاقتصادي من خلال تعزيز أداء الأنشطة الاقتصادية، ومن ثمَّ الوصول لنسب النمو المستهدفة، وما يتبع ذلك من منافع تتمثل في خفض الدين العام وتقليص عجز الميزانية، وتحسين التصنيف الائتماني كنتيجة فورية.

يهُمُّني في هذا السياق أن أسلط الضوء على الحوافز المقدمة للشباب وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهما الفئتان اللتان أعتقد أنهما سيكونان الأكثر استفادة من هذه الحوافز؛ لماذ؟! هذا لأن الشباب -خاصة الباحثين عن عمل- سيُتاح لهم وخلال هذا العام الحصول على تدريب وتأهيل في إطار خطة طموحة تنفذها وزارة العمل، وهذه الخطة قد تلقت دعمًا غير مسبوق، من خلال تخصيص 20 مليون ريال، وهو ما يعني تأهيل وتدريب أكبر عدد ممكن من الباحثين عن عمل، ولم يعد هناك أي معوق أمام أبنائنا للحصول على التدريب والتأهيل اللازمين، بل صار واجبًا عليهم أن يسارعوا للتسجيل في البرامج التدريبية التي تقدمها الحكومة؛ ومنها: برنامج "خبرات"، الذي يوفر إلى جانب التدريب والتأهيل مبلغا شهريا. أيضا الشباب العامل في القطاعين الحكومي والخاص، باتتْ أمامه فرصة إضافية لتأجيل سداد أية أقساط بنكية، وهو عامل دعم له ولأسره.

أما الفئة الثانية الأكثر استفادة؛ فهي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي حصلت على تخفيض على ضريبة الدخل، إلى جانب إعفاءات ضريبة إذا كانت عاملة في القطاع السياحي أو الفندقي، إلى جانب تأجيل أقساط القروض المقدمة لهم.

خلاصة القول.. إنَّ النهضة المُتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان المفدى -نصره الله- قد شملت جميع جوانب الحياة؛ فرغم التحديات والأزمات، حققت النهضة المتجددة الإصلاح السياسي المنشود، وحافظت على صحة المجتمع، وها هي الآن ترسي دعائم النمو الاقتصادي عبر حزمة تحفيزية نوعية، إلى جانب ما نشهده من تحسن ملحوظ في أسعار النفط وأداء الاقتصادي العالمي.. فلنتفاءل بالمستقبل، ولنؤمن بقدرتنا على تخطي الصعاب والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، كما أرادتها الرؤية السامية في "عُمان 2040".