الإسراء والمعراج

د. صالح بن خلفان بن محمد البراشدي

ذكرى نبوية عطرة نعيشها هذه الأيام والعالم يرزح بالابتلاءات، فحري بنا الوقوف عندها لتذكِّر سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعاناته، وتكريم الله تعالى له بهذه الرحلة المباركة، والتي انتشرت أنوارها وعمت خيراتها، فنقف عندها لنستجلي الدروس والعبر التي تعتبر منهج حياة.

الإسراء رحلة أرضية انطلقت من المسجد الحرام بمكة المكرمة واختتمت بالمسجد الأقصى بالقدس الشريف، قال تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة اﻹسراء 1].

أما المعراج فهي رحلة سماوية انطلقت من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى، قال سبحانه: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) [سورة النجم 1 - 18].

ويمكن القول إن من أبرز الحكم وراء حادثة الإسراء والمعراج، التسرية للنفس النبوية والتكريم، فهي تسرية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم مما عاناه من المشركين من أنواع الإيذاء والاعتداء، فكم قذفه المشركون بألسنتهم بالباطل من القول، وكم آذوه في جسده الشريف بأنواع الإيذاء، وكم وكم من المواقف التي اعتدى فيها أعداء الله تعالى بالدين والمؤمنين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صابر محتسب ثواب الله تعالى موقنا بنصر الله تعالى له، فهو عليه الصلاة والسلام جعل نصب عينيه وهو يبلغ دعوة الله تعالى قوله سبحانه وتعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [سورة الحجر 94 - 95]، فالحمد لله على نعمته وفضله.

كما إن رحلة الإسراء والمعراج فيها تكريم للنبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث كرمه الله تعالى برؤية الآيات الكبرى، وبالعروج إلى السماوات العلا، حيث فرضت الصلوات الخمس، خمس في العمل وخمسون في الثواب، والله يضاعف لمن يشاء.

فالله الله أيها المسلمون في الصلاة، علينا أن نحافظ عليها ونؤديها كما وردتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن نحافظ عليها بأدائها في أوقاتها مع الجماعة امتثالا لأمر الله تعالى، قال الله تعالى :(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)[سورة اﻹسراء 78 - 79]، وقال عز قائلا حكيما :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[سورة البقرة 43]، وعلينا أن نعلم أن الأداء الحقيقي للصلاة مفتاح للخيرات والبركات، قال سبحانه : (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [سورة العنكبوت 45].

وعلينا أن نعلم أن من حقوق أولادنا علينا تعليمهم الصلاة بشروطها وأركانها، وعلينا أيضا متابعتهم ورعايتهم رعاية أسرية، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

ونعيش هذه الأيام والعالم يعاني من وباء كورونا، ولهذا علينا أن نتوقف عند أنفسنا بالمحاسبة والالتجاء إلى الله تعالى بقبول التوبة والأعمال، والتضرع إليه سبحانه بأن يرفع البلاء عن العباد، فالبداية من النفس بالسعي إلى التغيير نحو الأفضل، قال سبحانه : (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[سورة الرعد 11]. ثم أن على بني الإنسان أن يحسنوا التوكل على الله بالأخذ بالأسباب، وخصوصا أسباب حفظ الدين النفس والأهل والمجتمع مما يؤدي بها إلى غضب الله تعالى، كما أن على الجميع أن يحفظ نفسه وأسرته ومجتمعه من الأمراض والأوبئة بالمحافظة على النظافة العامة والالتزام بالأنظمة والقوانين التي جاءت لحفظ الجميع.

فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم ووفقنا بالعمل بكتابك والعمل بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ووفقنا للاقتداء بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وارزقنا شفاعته واختم بالصالحات أعمالنا، واغفر لنا ولجميع المسلمين.

واللهم ارفع عنا وعن عبادك البلاء والوباء، اللهم وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم الطف بعبادك أجمعين.

تعليق عبر الفيس بوك